تقارير

ضعف التجهيزات الطبية يدق ناقوس خطر تفشي كورونا شمال شرق سوريا

إسطنبول – ترقّب عارف العودة لحياته الطبيعية، لكن ما حدث كان عكس المأمول، بعد أن أعلنت الإدارة الذاتية في شمال سوريا في 7 نيسان/ أبريل الجاري استمرار حظر التجوال، لمدة 15 يوماً، وهو ما يزيد قلقه من احتمالية وصول فيروس كورونا إلى مدينته كوباني.

انقطع عارف الذي يعمل نجاراً عن عمله في 23 آذار/ مارس الماضي، إثر إعلان الإدارة الذاتية بدء حظر التجوال شمال سوريا، وقال في حديثه لـ”ماري” “ما حدا بيموت من الجوع، ولكن نخاف أن نموت بفيروس كورونا. الجميع يعلم أن هناك مصابين في مناطق سيطرة النظام، وهو ما يزيد من احتمالية وصول الفيروس لمناطق شمال شرق سوريا، فالطريق ما يزال مفتوحاً أمام الجميع”.

لا يعيش عارف وحده حالة القلق هذه، بعد اكتشاف إصابات في سوريا، بل يشاطره هذا الشعور غالبية قاطني مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، وما يزيد مخاوفهم هو تأكيد الطواقم الطبية، بعدم وجود الأجهزة والمعدات اللازمة لاكتشاف الإصابة بالسرعة القصوى، وكذلك الاجهزة اللازمة للشفاء من الإصابة.

تقصير أممي للوقوف في وجه الجائحة 

قال الرئيس المشترك لهيئة الصحة في إقليم الفرات أحمد محمود في حديثه لـ”ماري”، أنهم يبذلون كل الجهود الممكنة في سبيل عدم تفشي الفيروس في منطقة الإقليم، على الرغم من ضعف الإمكانيات، لـ”عدم وجود الأجهزة الطبية كأجهزة التنفس الاصطناعي والمونيتور [جهاز مراقبة المريض]، وكذلك وجود عدد قليل من اسطوانات الاوكسجين إذ لا تتجاوز الـ 50 إسطوانة”.
وأضاف محمود أن هيئة الصحة في الإقليم قامت بتجهيز مركزين للحجر الصحي، يحتوي كل مركز على 80 سرير، وكذلك مركز ثالث تم تجهيزه من أجل الطوارئ يضم 12 سرير ويعمل على طول اليوم، كما قامت منظمة AVC بتجهيز مركز رابع يضم 50 سريراً و20 جهاز اوكسجين، وتعمل الآن على تجهيز مركز خامس بسعة 100 سرير.

وأشار محمود إلى صعوبة الظروف بسبب عدم وجود الأجهزة اللازمة، “نحاول الحصول على المعدات من خلال تواصلنا الدائم مع منظمة الصحة العالمية التي لم تقدم حتى الآن أي مساعدة، ولكن هنالك منظمات طبية عاملة وتقدم المساعدة، إذ قدمت منظمة AVC لهيئة الصحة 7000 قفاز طبي و150 عبوة من المعقمات و5000 كمامة”.

ودفع هذا النقص بالإدارة الذاتية مطالبة دول “التحالف الدولي” والأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والمنظمات الدولية، بـ”تقديم المعدات الطبية والصحية اللازمة لمقاومة انتشار هذا الفيروس ولتجنيب المنطقة كارثة إنسانية محتملة الحدوث” بحسب ما جاء في بيان للإدارة الذاتية نشر في 6 نيسان/ أبريل الجاري.

كما نشرت هيئة الصحة في الإدارة الذاتية، أمس الجمعة، بياناً قالت بأنه رداً على إعلان منظمة الصحة العالمية “وفاة أحد المواطنين في المشفى الوطني بالقامشلي بعد إصابته بفيروس كورونا”. 

وفي التفاصيل التي ذكرها البيان حول الحادثة “قالت منظمة الصحة العالمية أن رجلاً يبلغ من العمر 53 عاماً من مدينة الحسكة، أصيب بالفيروس في 22 آذار/ مارس الماضي، نقل للمشفى الوطني التابع للحكومة السورية في مدينة القامشلي، وأرسلت عينة فحص المريض إلى دمشق للكشف عليها، إلا أنه توفي في 2 نيسان/ أبريل الجاري”.

وأضاف البيان بأن منظمة الصحة العالمية “علمت فيما بعد أن نتيجة الحالة كانت إيجابية [أصيبت بالفيروس] وتم تضمينها في 6 حالات أعلنت عنها وزارة الصحة في الحكومة السورية” وحملت هيئة الصحة “منظمة الصحة العالمية المسؤولية عن وجود أو انتشار فيروس كورونا بين مواطنينا، لأنها تكتمت على وجود حالة مشتبه بها ولم تعلم الإدارة الذاتية المسؤولة عن إدارة هذه المناطق، كما إننا نلاحظ تقصيراً في دعم القطاع الصحي وبشكل خاص المستلزمات الضرورية لمواجهة جائحة كورونا”.

ولم يتسنَ لـ”ماري” حتى لحظة إعداد التقرير التأكد من صحة رواية هيئة الصحة. إلا أن الدكتور عمر العاكوب المدير العام للهيئة العامة لمشفى القامشلي الوطني، نفى وجود أي حالة وفاة بفيروس كورونا في المشفى الوطني.

وقال العاكوب في تصريح لموقع “صدى الواقع السوري” مؤسسة محلية سورية، أمس الجمعة، رداً على البيان الذي أعلنته هيئة الصحة في الإدارة الذاتية، “نرسل عينات للعديد من الحالات المشتبه بإصابتها بالفيروس  إلى المخبر المركزي بدمشق، ولم نتبلغ بوجود أي عينة إيجابية حتى الآن”.

تدابير وقائية “متواضعة”

تعمل لجنة الصحة وفريق الطوارئ بالتعاون مع الإدارة المحلية في مجلس الرقة المدني (البلديات) على تعقيم الأحياء والساحات والأسواق بشكل يومي، حيث “يخرج يومياً 160 سيارة مع مرش وجرار وآلية التعقيم من أجل تنفيذ حملات التعقيم” بحسب مسؤول هيئة الصحة في الرقة جوان محمود الذخيرة.

وأضاف الذخيرة في تصريح لـ”ماري” أنهم أبلغوا مراكزهم في ريف الرقة بالتعقيم اليومي، “كون هذه المراكز يُرتادها المواطنون بشكل يومي، وقد خصصنا لجان مراقبة لعملية التعقيم اليومي”.

وأضاف الذخيرة أن هيئة الصحة ضمن مجلس الرقة المدني، اتخذت التدابير الاحترازية والوقائية قبل بدء حظر التجوال، فقد جرى إنشاء مركز صحي مؤقت وهو احترازي أيضاً، ويستوعب المركز حوالي الـ 50 سريراً.

وفيما يخص الأجهزة الطبية فـ”هنالك نقص” بحسب الذخيرة “وهو الحال لدى كثير من الدول الكبيرة”، مضيفاً أن تواصلهم بمنظمة الصحة العالمية يقتصر فقط “حول موضوع التنسيق بما يخص الأوبئة المزمنة داخل المدينة”.

خطوات بدائية

لا تغادر سوسن، 25 عام، ناشطة في الشأن الثقافي، بيتها في ظل سرعة انتشار الفيروس، وقالت لـ”ماري” أن بقاءها في المنزل يأتي نظراً لتفشي الفيروس ووصوله للدول المحيطة، فعلى الرغم من الحظر المفروض إلا أن “هنالك استهتار كبير من بعض الأهالي بإقامة التجمعات أمام الأفران وفي الأماكن العامة دون اتخاذ مسافة أمان، وافتقار مدينة الرقة للأجهزة الطبية اللازمة”.

وشددت سوسن على “تحمل مجلس الرقة المدني المسؤولية بتنظيم الأسواق والأماكن العامة، وكذلك القيام بتقديم المساعدة للأهالي وخاصةً بعد تمديد حالة الحظر المفروضة في ظل وجود عائلات فقيرة، ولا تستطيع تأمين المستلزمات الضرورية إن لم تعمل بشكل يومي”، وكذلك الأمر “بالنسبة للمنظمات التي اقتصر عملها على توزيع البروشورات التوعوية”.

ونشرت هيئة الصحة التابع للإدارة الذاتية بياناً حملت فيه الحكومة السورية مسؤولية حدوث أي حالة إصابة بفيروس كورونا من خلال عدم التزامها بإجراءات الوقاية واستمرارها بإرسالها المسافرين لمناطق سيطرة الإدارة الذاتية.

إذ تقوم القوات التابعة للإدارة الذاتية من الأسايش وشرطة المرور بعمليات التدقيق على السيارات والمارة على مداخل ومخارج المدن من خلال قياس درجات حرارتهم، وكذلك منع الأهالي من التجول بين الحارات.

و”نظراً لكبر مساحة إقليم الجزيرة فقد تم إنشاء عشر لجان للطوارئ، تضم كل لجنة سيارة إسعاف وطبيب وممرض ومخبري موزعين على جميع مدن الإقليم” وفق لما قال الدكتور منال محمد الرئيس المشترك لهيئة الصحة في إقليم الجزيرة.
وأضاف محمد في تصريح لـ”ماري” أن “هذه اللجان مرتبطة بغرفة عمليات مركزية للتواصل في حال وجود أي اشتباه بحالة، ويكون هناك مراقبة بشكل متكرر على وضع أي حالة يشتبه بها، إما في حال كان الشخص بحاجة إلى المزيد من الفحص فيتم نقله إلى مراكز الاستقبال الأولي، إما في حال كانت صحة المريض سيئة فيتم نقله إلى المشافي حيث تم تجهيز مستشفيين الأولى في مدينة الدرباسية والثانية في المالكية (ديريك)”.

لكن، الطبيب أحمد، من مدينة الرقة، والذي طلب من “ماري” عدم الكشف عن اسمه، أنه “لو انتشر الفيروس في المنطقة فإن جميع الخطوات التي تتبعها المجالس المحلية وهيئات الصحة لن تفيد في شيء كونها خطوات بدائية”.

وأضاف الطبيب، “في مدينة الرقة يمكن تحويل المشفى الوطني وكذلك المستوصفات الخمسة الموجودة في الرقة لمراكز للحجر الصحي، ولكن يبقى لدى الإدارة نقص كبير في الاجهزة وهو ما على الإدارة تداركه وتأمينها قبل فوات الأوان”.

نداء إنساني لإنقاذ الرقة

قال الدكتور فراس ممدوح الفهد من الرقة، رئيس منظمة صناع الأمل الإنسانية، أن الوضع الصحي في الرقة “دون المتوسط، كون الدمار أثر باغلب المناحي الطبية والإمكانيات ضعيفة” مضيفاً”الوضع الصحي في الرقة ازداد صعوبة بسبب عودة سريعة وضخمة لنسبة كبيرة من سكان مدينة الرقة من المناطق التي هاجروا إليها داخل سوريا وخارجها”.

وتابع الفهد أن 150 سرير الموجودة بالمشافي العامة والمخصصة لمواجهة كورونا، “عدد ضعيف جداً مقارنة بعدد السكان، وخاصة بظل مخاوف انتشار فيروس كورونا واحتياج المرضى لمنافس وأجهزة تنفس صناعي، والتي عددها محدود جدا للاسف،  وهو ما يعتبر نقص هائل يدق له ناقوس الخطر في حال انتشار وباء”.

وناشد الفهد المنظمات الإنسانية الدولية مد يد العون للرقة وباقي المدن التي تضررت من الحرب وكذلك أن تكون هناك مهنية أكثر بعمل لجان الصحة لخدمة الواقع الصحي و لدرء انتشار فيروس خطير كـ”كورونا”.

وبينما يخشى غالبية سكان مناطق شمال وشرق سوريا وصول كورونا، يقول كولال لياني، 32 عاماٌ أحد أبناء مدينة القامشلي “لا خوف من كورونا، بقدر الخوف من تردي الوضع المعيشي والاقتصادي”.

وأضاف لياني، لـ”ماري” “الإجراءات المتخذة من قبل الإدارة الذاتية لمواجهة كورونا ستسبب كارثة إنسانية ومعيشية لنا”، واستدرك “لكن هذه الإجراءات هي الحل الوحيد، لتجنيب المنطقة خطر انتشار كورونا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى