تقارير

“لأجل المعتقلين” احتجاجات شعبية “متزايدة”…ماذا ينتظر درعا؟

عمان – بعد ساعات من وقفة احتجاجية لأهالي مدينة درعا في ساحة المسجد العمري تطالب بالإفراج عن المعتقلين في سجون الحكومة السورية، عثر الأهالي مساء الإثنين، على جثة مرمية إلى جانب إحدى الطرقات في حي الأربعين بدرعا البلد، تبدو عليها آثار التعذيب ورصاصة انتهت بالرأس.

قبل خمسة أيام من ذلك، اختطف فرع الأمن السياسي الشاب محمد إسماعيل أبازيد، أثناء عمله في درعا المحطة، واقتيد إلى إحدى أقبية الاحتجاز التعسفي، ليصار بعدها جثة هامدة، وحدثاً من شأنه أن يصعد الاحتجاجات الشعبية التي كانت تطالب قبل ساعات بالإفراج عن المعتقلين، وهو ما حدث فعلاً بخروج المئات من أهالي المدينة أمس الثلاثاء، لتشييع جثمان الأبازيد، وهتفوا بشعارات مناهضة للحكومة السورية ومطالبة بإسقاط بشار الأسد. 

وتشهد محافظة درعا، منذ سيطرة الحكومة السورية عليها في تموز/يوليو 2018، خروج العديد من الاحتجاجات السلمية التي طالب الأهالي فيها بالإفراج عن المعتقلين والكشف عن مصيرهم، في الوقت الذي تستمر فيه الأجهزة الأمنية بانتهاكاتها ضد المدنيين في المحافظة.

إذ توسعت نقاط الاحتجاج لتصل إلى 20 نقطة احتجاج في المحافظة، بحسب ما قال الناطق باسم “تجمع أحرار حوران” -مؤسسة إعلامية محلية معارضة- أبو محمود الحوراني، لـ”ماري”.

ومنذ يوم الجمعة الفائت، ازداد التوتر الأمني في محافظة درعا، لاسيما بعد قيام مجموعة مسلحين من بلدتي الكرك الشرقي وناحتة شرق درعا باحتجاز عناصر أربعة حواجز أمنية في المنطقة مع أسلحتهم، نتيجة لاستمرار هذه الحواجز بارتكاب الانتهاكات ضد المدنيين، بحسب ما قال محمد أبو مالك، أحد الأشخاص المطلعين على الحادثة.

وقال أبو مالك لـ”ماري”، أن شبان من بلدته ناحتة حاصروا الحواجز الأمنية، وأجبروا عناصرها على تسليم أنفسهم دون الاشتباك معهم، وذلك بعد اعتقال أحد أبناء البلدة على حاجز للمخابرات الجوية.

لكن، سرعان ما وصل وفد من الشرطة العسكري الروسية إلى بلدة ناحتة، في الليلة ذاتها من أجل التفاوض مع محتجزي عناصر الأمن، وبحضور عدد من وجهاء البلدة، وأنتهى الأمر بوعود روسية للإفراج عن الشاب المعتقل بعد إطلاق سراح العناصر مع أسلحتهم وعودتهم للتمركز في حاجز البلدة، بحسب أبو مالك.

وامتداداً لتلك الحادثة، كرر عدد من أبناء بلدة الكرك الشرقي بريف درعا الشرقي الحادثة ذاتها، في نفس الليلة (الجمعة الماضية)، باحتجاز 7 عناصر من القوات الحكومية من ثلاثة حواجز عسكرية منتشرة بمحيط البلدة، معلنين بذلك تضامنهم مع شبان بلدة ناحتة ومطالبين بالإفراج عن عدد من معتقلي بلدتهم، بحسب مصدر مطلع على الحادثة، طلب من “ماري” عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية.

وعود وضمانات كاذبة

بعد ساعات من من احتجاز العناصر السبعة في الكرك الشرقي، اتصل عميد في المخابرات الجوية يدعى “حبيب” بمحتجزي العناصر، مستوضحاً مطالبهم، والتي تركزت على الإفراج عن معتقلي البلدة، بحسب مصادر “ماري”. 

وانتهت الحادثة، بوعد من العميد حبيب، بإطلاق سراح ثمانية معتقلين من أهالي بلدة الكرك الشرقي، خلال مدة أقصاها يوم الأحد القادم، وذلك بعد إطلاق سراح العناصر السبعة.

لكن، لم يكن هذا الوعد هو الأول الذي يصدر عن حكومة دمشق بما يخص الإفراج عن المعتقلين، إذ نصت اتفاقيات التسوية الموقعة قبل عام ونصف على الإفراج عن المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين في أقبية المخابرات السورية، إلا أن ذلك لم يحدث. 

وقال السياسي والدبلوماسي السوري، بشار الحاج علي، أنّ النظام السوري لا ينوي الإصلاح، ولم يلتزم بأي من عهوده ووعوده بخصوص اتفاق التسوية الذي أتم بموجبه السيطرة على المحافظة، إذ استمر بشن الاعتقالات التي طالت جميع أبناء المحافظة حتى الذين أجروا التسويات.

فما زال النظام السوري يراوغ “بوعوده الكاذبة”، بحسب ما قال الحاج علي لـ”ماري”، “فهو [النظام السوري] فشل في بسط الأمن والأمان أو حتى تقديم أبسط الخدمات للمدنيين مع انعدام سيطرته الفعليّة وعجزه عن ضبط أوضاعها الأمنية، على الرغم من تحالفه مع الروس الذين لم يستطيعوا أيضاً أن يفوا بضماناتهم لاتفاق التسوية”.

سيناريوهات مقبلة

يرى الحوراني، أن “النظام السوري يتفادى دوماً مواجهة مباشرة مع المتظاهرين الغاضبين من سياسات الأفرع الأمنية وتجاوزاتها، حتى لا يصدم ببركان جديد واحتجاجات أكبر”. ومنذ سيطرة الحكومة السورية على جنوب سوريا حاولت اعتقال عدد من النشطاء وقادة الحراك الشعبي لوقف أي احتجاجات شعبية مناهضة للحكومة، إذ اعتقلت الحكومة السورية أكثر من 950 مدنياً معظمهم من حملة بطاقات التسوية، وهو ما زاد احتقان الأهالي.

ووفقاً للقيادي السابق في المعارضة، وعضو “خلية الأزمة”، مجموعة محلية شكلها وجهاء وقادة عسكريون سابقون في المعارضة للتفاوض مع الحكومة السورية ومتابعة شؤون المدنيين في المحافظة، أن الأجهزة الأمنية تلعب دوراً في تأجيج المدنيين عبر عمليات الاعتقال والخطف التي تنفذها، وهو ما قد “يؤدي لزج الجيش [القوات الحكومية السورية] في مذبحة ثانية باستمرار هذه العقلية القمعية”.

ويعتبر الكراد، أن الروس أخفقوا بضمان اتفاق التسوية في الجنوب، لاسيما مع “استمرار الحكومة السورية في خرق الاتفاقية”.

وعلى الرغم أن اتفاق التسوية أبقى أحياء درعا البلد التي كانت خاضعة سابقاً لسيطرة المعارضة بعيدة إلى حد ما عن الأجهزة الأمنية، بموجب بند نص على “منع دخول الأجهزة الأمنية لأحياء درعا البلد” إلا أن الكراد أكد، تجنيد الأجهزة الأمنية لمليشيات من أبناء المدينة للقيام بعمليات الخطف والقتل بدلاً من الاعتقال المباشر. مضيفاً “استمرار هذه السياسة تزيد من الاحتجاجات الشعبية”.

وقال السياسي حاج علي، نحاول الآن في اتصالاتنا مع الأهالي تحييد العمليات العسكرية التي تهدف لـ”التحرير [السيطرة على الأرض] والمواجهة المباشرة قدر المستطاع، والتوجه بدلاً من ذلك للاحتجاجات السلمية والاستمرار عليها” مع التحفظ على “أسلوب حرب العصابات، الذي يعد أقل تكلفة وضرراً على المدنيين في المحافظة”.

عامر الحوراني

صحفي، من محافظة درعا، بدأت العمل في الإعلام بعمر 16 سنة، واليوم أعمل مع العديد من وسائل العربية والعالمية، لجأت للأردن عام 2013.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى