تقارير

الملف الأمني في السويداء: سجال بين الوجهاء الجدد ودور الزعامة التقليدية

السويداء – تقف محافظة السويداء جنوب سوريا أمام مفترق طرق ينذر بالمزيد من الفوضى، ويهدد باقتتال داخلي وشيك مع تزايد نشاط أطراف محسوبة على الحكومة السورية داخل المحافظة، بحجة ضبط الأوضاع الأمنية وملاحقة العصابات.
في مطلع شباط/ فبراير الماضي، دعا الشيخ فضل الله نمور، إلى اجتماع في منزل قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش، في بلدة القريا جنوب السويداء.

والشيخ نمور، وهو رئيس اللجنة الدينية الوطنية في جبل العرب (محافظة السويداء)، وهي تيار ديني سياسي موالي للحكومة السورية، ويرتبط بعلاقات واسعة مع مسؤولين من الحكومة، نشأ في مطلع 2016. 

وحضر الاجتماع الذي عقد في 9 شباط/فبراير الماضي، مندوبين عن الأجهزة الأمنية وقادة فصائل محلية موالية لدمشق، وغطت وسائل إعلام موالية للحكومة الاجتماع مبرزة دور الشيخ مهران عبيد، الذراع العسكري للجنة الدينية الوطنية، والذي أعلن نيته محاربة عصابات الخطف التي تنتشر في السويداء بقوة السلاح موجهاً لهم إنذارات شديدة اللهجة. فيما غاب عن الاجتماع حضور وجهاء العائلات الكبيرة ومشايخ عقل الطائفة الدرزية. 

وبعد أيام من عقد الاجتماع، أعلن عبيد القبض على أربعة أشخاص مطلوبين بقضايا خطف وسرقة سيارات، ومن ثم خرج ثمانية مختطفين بشكل مفاجئ من منزله، وقال أنه حررهم من خاطفيهم دون أن يكشف أية معلومات عن مصير العصابات التي كانت تحتجزهم، ما أثار العديد من إشارات الاستفهام حول نشاطه، في ظل حالة من الفوضى الأمنية تعيشها المحافظة منذ سنوات.

برعاية الأمن العسكري

 اتهم ناشط إعلامي من محافظة السويداء، الشيخ مهران عبيد بـ”التنسيق مع فرع الأمن العسكري في السويداء، بغرض إثارة الشرخ والانقسامات داخل المحافظة، من خلال دفع الفصائل المسلحة للوقوف ضد بعضها، بذريعة محاربة العصابات”.
وأضاف الناشط الإعلامي، الذي طلب من “ماري” عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية،  أن “عبيد يحاول استغلال الاحتقان الشعبي من الحالة الأمنية المتردية في كسب قاعدة شعبية بمساعدة ضخ إعلامي من وسائل إعلام النظام”.

وأبدى الناشط الإعلامي تخوفه من اقتتال داخلي في المحافظة، كون “العناصر الذين يتزعمهم عبيد هم من أبناء المحافظة ومن عائلات مختلفة، والأشخاص الذين يتهمهم بالخطف أيضاً من أبناء المحافظة”.

وما يزيد المخاوف، بحسب الناشط الإعلامي، أن عبيد “لا يملك تفويض حقيقي من الوجهاء والزعماء والأهالي للقيام بذلك، بالتالي من الممكن في أي لحظة أن تشهد المحافظة اقتتالاً داخلياً يمهد الطريق أمام عودة تدخل الأجهزة الأمنية بشكل غير محدود، وفرض سيطرتها على المحافظة، حيث باتت الفرصة مهيأة لذلك”.

ورداً على الاتهامات التي وجهت للشيخ مهران عبيد، قال مصدر مقرب منه، طلب من “ماري” عدم الكشف عن اسمه، أن “تحرك الشيخ مهران ناتج عن تفاقم ظاهرة الخطف والفلتان الأمني، وغياب دور المسؤولين والمعنيين في الدولة والمجتمع عن مكافحة هذه الظاهرة، التي تعتبر إساءة لتاريخ وموروث أهالي السويداء”. مؤكداً “وجود تنسيق بين الشيخ مهران والأجهزة الأمنية في السويداء”، إلا أنه نفى أن تكون الأجهزة الأمنية هي من دفعته لهذا التحرك، مستدركاً “تحركنا بقيادة الشيخ مهران كان بدافع النخوة، ولم نتلقى أوامر من الجهات الأمنية أو من أي طرف أخر”.

وأوضح المصدر، أن التنسيق مع الأجهزة الأمنية يقتصر على “تعقب المشتبه بتورطهم بعمليات خطف، أو لمعرفة مكان تواجد المختطفين”.

ووفقاً للمصدر، فإن تحرير المخطوفين لدى العصابات جرى من خلال “مفاوضات مع عصابات عريقة ومجادل [عصابات تنتشر في هذه القرى شمال السويداء] دون أي مقابل مادي، وبعد توجيه تهديدات لهم ومطالبتهم بالانصياع لمطالبنا أو مواجهتنا بالسلاح”.

ورحب سمير عامر، أحد أبناء مدينة السويداء، بهذا التحرك، معتبراً إياه “بادرة خير، وخطوة جريئة باتجاه الطريق الصحيح، لوقف الخطف والسرقة التي أثقلت كاهل الأهالي”.

وأضاف في حديثه لـ”ماري” “قضية الفلتان الأمني قد تتفاقم إذا استمر السكوت عنها” مشيراً إلى أن “الشارع ينتظر هذه الخطوة بغض النظر عن الجهة التي تقف خلفها، فالفوضى الأمنية تزيد من تردي الوضع الاقتصادي، وبالتالي لا بد من تحرك المجتمع ومؤازرة الأجهزة الأمنية لوضع حد لجميع الخارجين عن القانون”.

من هو مهران عبيد؟

برز اسم الشيخ مهران عبيد، في الآونة الأخيرة بعد الاجتماع الذي ظهر فيه، وينحدر من مدينة صلخد جنوب السويداء، انضم لحركة رجال الكرامة التي أسسها الشيخ وحيد البلعوس، مشكلاً فصيلاً عسكرياً ضمن الحركة، أطلق عليه اسم “بيرق الفهد” في عام 2015. بحسب ما قال أحد الوجهاء المقربين من الشيخ وحيد البلعوس، سابقاً، لمراسل ماري.

وبعد اغتيال الشيخ وحيد، في أيلول/ سبتمبر 2015، وتولي شقيقه الشيخ رأفت قيادة الحركة، أعفت رجال الكرامة في تشرين الأول/ أكتوبر 2016 الشيخ مهران عبيد من مهامه. وجاء في البيان الذي اطلعت عليه “ماري” “كل عمل يقوم به [الشيخ مهران عبيد] يعتبر فردي وعلى مسؤوليته الشخصية ولا علاقة لرجال الكرامة به”. 

ونتيجة لذلك، انقسم عناصر بيرق الفهد إلى مجموعتين، الأولى بقيت ضمن صفوف رجال الكرامة، والثانية بقيت تحت قيادة الشيخ مهران وخرجت معه، ويقدر عددها بـ 25 عنصراً، بحسب المصدر.

وقال مصدر مقرب من الشيخ وحيد البلعوس، قائد حركة رجال الكرامة الذي أغتيل أواخر عام 2015، أن إعفاء الشيخ مهران من الحركة جاء نتيجة “اتهامات وجهت له بارتباطه مع مسؤولين من الأمن العسكري” مضيفاً “تلك الفترة كانت تشهد توتراً بين الحركة والأجهزة الأمنية السورية، وتحديداً الأمن العسكري”.

وأضاف المصدر الذي طلب من “ماري” عدم الكشف عن اسمه، لأسباب أمنية، أن الشيخ مهران “تقرب من فرع الأمن العسكري ومسؤولين من الفرقة الرابعة بعد إعفاءه من رجال الكرامة”، وفي منتصف 2017 “اشترى الشيخ مهران سيارات وعتاد حربي وضم شبان جدد إلى فصيله العسكري”.

وعن مصادر تمويل الشيخ مهران، قال المصدر، أنه بعد “إعفاء الشيخ مهران” من رجال الكرامة، دخل في آب/ أغسطس 2017 بـ”صفقة للإفراج عن 20 مختطف من محافظة درعا مع شخص يدعى رائد بركة، [يقود إحدى الفصائل المحلية في السويداء، متهم بعمليات خطف قبل أن يغادر السويداء إلى أوروبا]، كان قد احتجزهم الأخير، بذريعة اختطاف شاب مقرب منه في درعا”.

و”أفرج عبيد وبركة عن المختطفين الـ 20 مقابل فدية مالية تتراوح من مليون إلى 5 مليون ليرة سورية لقاء إطلاق سراح كل شخص منهم، ومن ثم قاما [عبيد وبركة] بمصادرة سيارات المختطفين وبيعها” بحسب المصدر.

اجتماعات دور الزعامة التقليدية

في رد ضمني على اجتماع القريا وتحركات الشيخ مهران عبيد، شهدت دار عرى، وهي دار الزعامة السياسية التقليدية لدروز السويداء، في شباط/فبراير الماضي، اجتماعاً دعا إليه الأمير لؤي الأطرش، حضره وجهاء أبرز العائلات في المحافظة، ومشايخ العقل، وممثلين عن عشائر بدو السويداء، ونائب مطران السويداء ممثلاً عن المسيحيين، بالإضافة لقادة فصائل مسلحة محلية محايدة وأخرى موالية للحكومة.

وهدف الاجتماع لإعلان موقف المجتمعين من الأوضاع الأمنية الحالية، ووفقاً لوسائل إعلام محلية، أكد شيخا العقل يوسف الجربوع وحمود الحناوي في دار عرى، أن “الدولة هي الجهة الوحيدة المخولة بملاحقة الخارجين عن القانون”، كما حذرا من “مغبة اقتتال داخلي إذا تولت جهة محلية من السويداء مسؤوليات أجهزة الدولة”، واعتبرا أن “المجتمع يترتب على عاتقه مسؤولية مساندة أجهزة الدولة في تطبيق القانون”. 

فيما لم يحضر أي ممثل عن الشيخ مهران عبيد أو التيار الذي يتبع له اجتماع دار عرى، والذي انتهى بإجماع الحاضرين على أن الدولة هي “المخولة بتطبيق القانون، ولا شرعيّة لأي طرف آخر يحل مكان الدولة”.

وفي خطوة مماثلة، شهدت مضافة آل عامر، دار الزعامة الاجتماعية التقليدية للدروز في الريف الشمالي من المحافظة، اجتماعاً مع وفد روسي في مطلع آذار/ مارس الجاري، ضم مشايخ العقل ووجهاء من الطائفة، بدعوة من الأمير يحيى عامر، بحسب ما قال موقع السويداء 24، مؤسسة إعلامية محلية.

وقال الموقع أن الأمير يحيى، “طلب من الجانب الروسي إيجاد حلول للملف الأمني”، وإلى جانب ذلك، طالب بعض الحاضرين بـ”تسوية أوضاع المطلوبين للسلطات السورية بقضايا غير جنائية، والمطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياطية.

ورد الوفد الروسي على ذلك، بطلب تشكيل لجنة مصغرة من أهالي المحافظة، بهدف “التوسع في بحث الملفات التي تم طرحها خلال الاجتماع”، كما “طلب إعداد قائمة بأسماء أفراد العصابات وأماكن تواجدهم، إضافة إلى جدول بأسماء المفقودين من أبناء المحافظة لبحث هذا الملف”. 

وعلمت “ماري” من مصادر محليّة في مدينة شهبا شمال السويداء، أن الأمير يحيى بدأ باستقبال طلبات تسوية أوضاع المطلوبين في المنطقة، بالإضافة إلى تقديمه وعود بتسوية تشمل كل ما يتعلق بالحق العام، باستثناء الدعاوى الشخصية، والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية.

تطورات أمنية

على الرغم من الاجتماعات الحاصلة في عدد من مراكز القوة في المحافظة من أجل الوصول لحلول أمنية، إلا أنه في منتصف شباط/ فبراير الماضي، أي بعد اجتماع الشيخ نمور، شهدت مدينة صلخد جنوب السويداء توتراً أمنياً على خلفية اختطاف عنصر من فصيل قوات شيخ الكرامة. واتهم الفصيل فرع الأمن العسكري في السويداء، بالوقوف وراء حادثة الاغتيال، عبر مجموعات أمنية مرتبطة بالفرع، إلا أن الأخيرة نفى علاقته بالحادثة، بحسب مراسل “ماري”.

ورداً على ذلك، هاجم عناصر فصيل شيخ الكرامة مفرزة تتبع للأمن العسكري في مدينة صلخد، وخطفوا خمسة ضباط من القوات الحكومية، وعنصر من الأمن العسكري، وما يزال مصير العناصر مجهولاً حتى اللحظة. 

ووفقاً لمصادر محلية، فإن حدة التوتر زادت بعد نشر القوات الحكومية السورية 5 نقاط تفتيش على الطرق المؤدية لمدينة صلخد في 24 شباط/ فبراير الماضي، إذ تعرضت تلك النقاط لهجمات متفرقة من مسلحين مجهولين بالرشاشات والقذائف.

وتعليقاً على هذه التطورات، قال مصدر إعلامي من حركة رجال الكرامة، طلب من “ماري” عدم الكشف عن اسمه، كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، أن “موقف الحركة واضح، نحن لسنا جهة أمنية، ثوابتنا ومبادئنا معروفة بالدفاع عن المحافظة من أي اعتداء خارجي، ومسؤولية الملف الأمني تقع على عاتق الجهات القضائية والضابطة العدلية، ولسنا غطاء لأي شخص يمارس أعمال خارجة عن الأعراف والتقاليد وطالبنا ونطالب الجهات المعنية بأخذ دورها في هذا الملف”.

الوسوم

زين الحلبي

زين الحلبي صحفي سوري من محافظة السويداء، درس الصحافة والإعلام في جامعة دمشق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق