تقاريرملفات خاصة

أدب الثورة السورية: مرآة مسار الثورة ومآلاتها

عمّان – لم تتأخر انطلاقة الأعمال الأدبية والفنية المرتبطة بالثورة عن بداية الحراك الشعبي في الشارع السوري، بل شكلت مرآة تعكس “النفس الثوري” المتصاعد لحظة بلحظة، سرعان ما انتشرت بعض المشاركات البسيطة التي كان عدد من صناعها مواهب مكبوته قبل اندلاع الثورة في آذار/مارس 2011، ما إن تطورت تلك الأعمال لتشمل مجالات فنية عديدة كالشعر والرسم والموسيقا والرواية والمسرح والسينما، وغيرها من الفنون والأعمال الإبداعية التي تطورت وأثمرت عن تميز الكثير من صناعها المهجرين، الذين حصل عدد منهم على جوائز عالمية عدة. 

نشأة أدب الثورة السورية

تعددت الآراء فيما يتعلق بجودة وأهمية الأعمال الأدبية والفنية المنتسبة للثورة السورية، وأيضاً حول نشأة البذور الأولى للأفكار البسيطة المتعلقة بأدب الثورة. إذ بدأ ذلك مع الشاعر أبو الياس المعري، ابن مدينة معرة النعمان، حينما بدأ في كتابة كلمات أغاني وأناشيد الثورة السورية، وتأليف شعارات الاحتجاجات والهتافات وتلحينها.

وقال المعري لـ”ماري”، “كنت أكتب كلمات الأغاني والهتافات الخاصة في كل جمعة”، مضيفاً “تفجرت في الثورة مواهب عظيمة كانت مكبوتة: من شعر ورسم ونحت ومسرح ودراما، والأمثلة كثيرة حول فنانين أحرار وصلوا للعالمية، وغيرهم من رياضيين ومخترعين وحرفيين”. 

وبحسب الشاعر المعري ظهرت بدايات الأدب الثوري، أو “الأدب الشعبي العفوي” شرارة الاحتجاجات الشعبية في ساحات التظاهر، إذ “كان الفن الأكثر وصولاً  وتفاعلاً على الصعيد الداخلي”.

إلا أنه لم بوسع أدباء الثورة “أكثر من ذلك. وبقيت كلماتنا وأغانينا محدودة الانتشار”، نتيجة لضعف التقنيات المطلوبة، لذا فـ”أغلب أعمالنا انحصرت محلياً، وبالتالي أدب الثورة لم يرقَ إلى مستوى التضحيات التي قدمها الشعب”، بحسب المعري.

عندما تغدو الكلمة سلاحك الوحيد
تعرض حسن ذي النون، شاعر سوري من مواليد مدينة دمشق،  يُقيم في برلين، درس القانون في جامعة دمشق، للاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية السورية في أيلول/سبتمبر 2011، على إثر مشاركته بالتظاهرات السلمية، ومطالبته بإطلاق سراح المعتقلين، ونشره قصائد مناهضة للحكومة السورية في جامعة دمشق.

وبحسب ذي النون يحتاج أدب الثورة إلى وقت أكبر حتى يصبح أدباً كاملاً قادراً على إيصال الكلمة والصورة التي تستطيع مجاراة الواقع، كون “الثورة في وطننا يقابلها ديكتاتور، يكسر جميع القوانين الطبيعية لينشر صور الدم والموت”، مضيفاً في حديثه لـ”ماري” “من غير المعقول مجاراة أو مواجهة ذلك بنص أدبي، أو لوحة زيتية، أو فيلم وثائقي”. 

“فمهما كان النص ثورياً شاملاً معبراً عن الحالة التي تمر فيها الثورة، يبقى ضعيفاً متقوقعاً على نفسه، لا يستطيع مجاراة قطرة دم واحدة أو يعبر عن حالة جوع وبرد لطفل في مخيمات اللجوء، وأنا هنا لا أبخس من جهود الشعراء والأدباء والفنانين”.

أهداف أدب الثورة: ما تحقق وما أخفق

“الثورة غداً تؤجل إلى البارحة” كان هذا عنوان العمل المسرحي الذي قدماه الأخوين محمد وأحمد ملص في أقبية الأمن الجنائي السورية بعد تعرضهما للاعتقال في تموز/يوليو 2011 في إحدى مظاهرات حي الميدان في العاصمة دمشق.

وقال التوأم ملص، لـ”ماري” “نعتقد أن الهدف من أي عمل فني في وقتنا الراهن ليس تغيير الأنظمة السياسية خاصة في بلادنا؛ فالهدف هو التوثيق ونقل الصورة”، وأكدا ملص “نعتقد أنه [أدب الثورة] حقق هدف كبير في ذلك، وبالأخص السينما، لأنها استطاعت أن تنتشر بكل كبير، كذلك المسرح أيضاً، لكن السينما كونها تنتشر عبر اليوتيوب كان لها النطاق الأوسع”.

يتفق الناقد والكاتب المسرحي عمر بقبوق، مع ما ذهب إليه التوأم ملص بأن المهمة الأكبر بالنسبة للفن المتعلق بالثورة هي “التوثيق”، لكنه يرى أنها تحمل أثراً سلبياً، لأن “بعض الفنانون اعتقدوا أن مهمة الفن في هذه المرحلة تنحصر بالتوثيق، فازدادت عدد الأفلام الوثائقية ومسرحيات السير الذاتية، [التي] تنحصر فيها مهمة المؤدين وغالبيتهم من الهواة، في نقل تجاربهم الشخصية إلى الجمهور”، ما يعني أن “الأعمال التي قدمها الهواة، كانت تحكي تجاربهم الشخصية”.

وأن افتراض وجود أهداف واضحة لفنون الثورة، هو “افتراض رومانسي مرتبط بالأفكار الرومانسية”، ما يعني بحسب بقبوق، أن “محاولات استقراء أهداف موحدة للفنون التي أنتجها السوريين الثائرين ضد النظام، لا يختلف عن تلك النظرة الطوباوية، [الطوباوية: عمل اجتماعي مشترك بعيد عن الواقع، وغالباً يبقى حلم وتحقيقه محال] التي كانت سائدة في بداية الحراك [الشعبي]، وتمثلت بالعديد من الشعارات التي رفعها السوريون في المظاهرات، مثل: واحد واحد واحد .. الشعب السوري واحد”.

وحول مدى انتشار أعمال “أدب الثورة السورية” عالمياً يرى الشاعر حسن ذي النون، أن “المجتمع الأوروبي يعشق السينما، وغالباً ما تكون دور العرض السينمائية مُمتلئة، الأفلام الوثائقية تساعد في الترويج لقضيتنا وفضح هذا النظام الديكتاتوري، إضافة إلى الروايات المترجمة”.
وأضاف ذي النون أن المجتمع الأوروبي نهم للقراءة، “أعتقد أنه يمكننا من خلال الروايات والكتب المترجمة الوصول لغايتنا”، ويعمل ذي النون حالياً على ترجمة ديوانه الشعري الأول إلى اللغتين الألمانية والإنجليزية قبل نشره بالعربية، و “هذا شيء مؤسف، لكن الذي شجعني على اتخاذ هكذا خطوة، أن هدفي الوصول للقارئ الأجنبي قبل القارئ العربي، فنحن نعرف أوجاعنا ونعرف عدونا جيداً”.

أدب الثورة  للرد على سردية “النظام”

“الانفتاح والمصداقية”، عاملان أساسيان ساهما في تطور إنتاج أدب الثورة برأي التوأم ملص، ووضعا “الأعمال الفنية الثورية في حالة تقدم مستمر منذ 2011 لليوم”، والسبب هو “الانفتاح على العالم بعد توسع رقعة الحرية”.

إضافة إلى أن الأعمال الأدبية التي “تنتج بعد الحروب أو الثورات تكون ذات طابع يلامس الواقع”، بحسب ملص “لكن، هذا لا يعني أن كل الأعمال التي انتجت بعد 2011 كانت جيدة، فهناك الكثير من الأعمال لم تحقق نجاحات، أيضاً ليس كل الأعمال قبل 2011 كانت سيئة”.

ووفق ملص تفوق أدب الثورة وفنانوها على أدب الحكومة السورية نتيجة لـ”المصداقية”، فـ”الأعمال التي تكذب فيها واقعك هي أعمال هشة ومضحكة”، واستدل ملص على ذلك “كما فعل نجدت أنزور [مخرج سوري مقرب من الحكومة] في أحد أعماله التلفزيونية التي تقدم صورة المتظاهر، أنه شخص غير متعلم، ولا أخلاقي وهدفه تدمير البلد، بينما يقوم بتلميع صورة الضباط وعناصر الجيش التي جسدها بأحد المشاهد التي صورت عناصر الجيش على الحاجز بلباس نظيف يعزفون العود ويسمعون أغاني عبد الوهاب، ليبين أنهم طبقة لطيفة مثقفة تعرضت لرصاص من إرهابيين”. 

وعن الأعمال الأدبية الثورية داخل مناطق المعارضة السورية، اعتبر ملص أن “الفترة الزمنية التي أنتج فيها العمل، تجعل الحالة العامة تختلف من عمل إلى آخر”، مفسراً ذلك بـ”خلال تصويرنا فيلمي: أيام الكرز، وكأس العالم في 2014، بمعرة النعمان بريف إدلب، كانت الحرية مطلقة، والصعوبات انحصرت فقط في ظل وجودنا في مناطق تفتقد للخدمات الحياتية”، لكن “لو تحدثنا عن طلال ديركي خلال تصوير فيلمه الثاني [آباء وأبناء] نلاحظ عودة الرقابة والملاحقة على تلك الأعمال، لكن هذه المرة من جهات أخرى مثل جبهة النصرة وداعش التي كانت تشكل ديكتاتور بوجه  آخر”.

ويرى الناقد عمر بقبوق، أنه خلال السنوات الماضية فشل “الفن السوري المعارض” من تأسيس “ركائز أساسية يبني عليها ما يتطلبه الفن من أدوات إنتاجية تضمن له الاستمرارية”، موضحاً “لم تظهر على الساحة شركات فنية كبيرة معنية بإنتاج أعمال فنية تتبنى فكر المعارضة السورية”. 

وهو ما أدى إلى “مراوحة الفن السوري المعارض مكانه خلال تسعة أعوام، دون تقدم يذكر، يضمن تحول الفن إلى صناعة وحرفة يكسب منها الفنانين المعارضين لقمة عيشهم”، بحسب بقبوق، بل إن “عامل الزمن” أثر سلباً على العامل النفسي لدى الفنانين المعارضين، “مما دفع بعضهم للقبول بالمشاركة بأعمال فنية تنتجها شركات لا تتعارض إيديولوجياً مع النظام السوري”.

وحول موضوع تطور مراحل الأعمال الأدبية والفنية منذ انطلاقة الثورة قال ذي النون: “هُناك شح مُستغرب ومُستنكر بالأعمال الفنية الثورية، باستثناء مجموعة من الروايات التي صدرت وتتحدث عن الثورة السورية والمعارض التي أقيمت والأفلام الوثائقية”، مضيفاً مع ذلك “هناك فيلمين وثائقيين قد وصلا إلى الأوسكار وهما: إلى سما، والكهف. هذا ما أعتبره إنجاز وتقدم في مرحلة الأعمال الثورية الأدبية”.

مستقبل “أدب الثورة”

تمنى التوأم ملص “لو أن العالم ينصف الثورة السورية فنياً، ويقوم بإنتاج أعمال روائية كالأفلام التي تحدثت عن حصار سراييفو”، وختما “نرى أنه يوجد الكثير من الأعمال القيمة التي أنتجت في مرحلة الثورة، خاصة الأعمال الوثائقية الآنية التي صورت في قلب الحدث، يمكن أن ينتج عنها أعمال روائية عظيمة”.

بينما يرى بقبوق أنه “يجب التركيز على الأعمال الأكثر وصولاً للجمهور والرأي العام، وبالأخص الرأي الخارجي”، مضيفاً “يجدر بنا أن نشير إلى الدور الكبير الذي لعبته السينما التوثيقية بنقل سرديات المعارضة السورية للخارج، ولاسيما من خلال الأفلام التي رشحت لجوائز الأوسكار على مدار الأعوام الماضية”.

**

هذا التقرير هو جزء من ملف خاص لـ”ماري” عن الفن والأدب السوري.

اقرأ:

الدراما السورية بين حرية الإبداع وسيف الرقيب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button