باريس – عدا عن أن أمل السوريين تبدد بشأن قدرة نقاط المراقبة التركية المنتشرة في شمال غرب سوريا على وضع حد لخروقات القوات الحكومية السورية وحليفتها الروسية، فإن وقوع 9 نقاط منها تحت حصار القوات الحكومية أثار جدلاً حول دور تلك النقاط في مستقبل شمال غرب سوريا.
وبدأ الجيش التركي في نشر نقاط المراقبة في شمال غرب سوريا، في تشرين الأول/أكتوبر 2017، مهمتها مراقبة نظام وقف إطلاق النار في منطقة خفض التوتر، بموجب الجولة السادسة من اتفاق أستانة، التي توصلت فيها موسكو وأنقرة وطهران إلى إنشاء منطقة “خفض تصعيد” في إدلب.
وعلى عكس ما جاء في بنود الاتفاق، فإن ما يشهده شمال غرب سوريا من موجة نزوح كبيرة، بفعل العمليات العسكرية للقوات الحكومية والميليشيات المساندة لها ضد منطقة “خفض التصعيد” في شمال غرب سوريا، وما نتج عنه من سيطرة دمشق على مناطق واسعة من أراضي “المنطقة العازلة”، وسط تراخي رسمي تركي يشير إلى عدم فاعلية تلك النقاط.
وتتوزع نقاط المراقبة الثماني المحاصرة على طول الشريط الفاصل بين القوات الحكومية والمعارضة في أرياف حماة وإدلب وحلب. إذ تقع الأولى في مدينة مورك بريف حماة، والتي استعادت دمشق السيطرة عليها في 23 آب/أغسطس 2018، وبقيت النقطة داخل المدينة بحماية عسكرية مباشرة من القوات الروسية، أما النقطة الثانية تقع في قرية الصرمان، بريف إدلب، وقد استعادت القوات الحكومية السيطرة عليها في 22 كانون الأول/ديسمبر 2019، وأيضاً ما تزال النقطة التركية في مكانها تحت حماية القوات الروسية.
وتقع النقطة الثالثة في بلدة معرحطاط بريف إدلب، التي سيطرت القوات الحكومية عليها في 27 كانون الثاني/يناير 2020، فيما تقع النقطة الرابعة في تل الريحان/الرمان بريف مدينة سراقب، قرب طريق دمشق- حلب الدولي (M5)، وهي نقطة تم إنشاؤها حديثاً، ومع تقدم القوات الحكومية إلى المنطقتين ما تزال النقطتين الثالثة والرابعة تحت حماية القوات الروسية.
وعند العقدة التي تربط الطريقين الدوليين حلب- اللاذقية (M4) و دمشق- حلب (M5) أنشأت تركيا النقطة الخامسة، ولكنها حوصرت من القوات الحكومية، كما هو حال النقطة السادسة التي تقع في تل طوقان شرق مدينة سراقب، وما تزال هاتان النقطتان دون حماية فعلية من القوات الروسية.
وكذلك حوصرت النقطة السابعة، والتي تعرف بنقطة السيروم، نسبة إلى معمر السيروم المطل على طريق دمشق-حلب الدولي (M5)، نتيجة استعادة القوات الحكومية السيطرة على مدينة سراقب في 6 شباط/فبراير الحالي، والثامنة هي نقطة تل العيس، والتي تعد آخر النقاط التركية في ريف حلب الغربي، والتي حوصرت بعد استعادة القوات الحكومية على تل العيس في 9 شباط/فبراير الحالي دون أي قتال من قوات المعارضة. وأخيراً، نقطة الراشدين الرابعة، والتي تقع في منطقة الراشدين بريف حلب، التي استعادت القوات الحكومية السيطرة عليها في 11 شباط/فبراير الحالي.
طريقة إمداد النقاط بعد حصارها
كشف مصدر عسكري في قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا لـ”ماري” آلية إمداد النقاط التركية المحاصرة، إذ “يدخل الرتل التركي عبر معبر كفرلوسين الحدودي في ريف إدلب الشمالي، الذي يسيطر عليه فيلق الشام (فصيل معارض تدعمه تركيا)، وتقع حماية الرتل داخل الأراضي السورية على عاتق فيلق الشام، بحيث ينشر نقاطه على طول الطريق الذي يسلكه الرتل التركي، ويكون على تواصل مباشر مع كافة هذه النقاط للوقوف على أي مشكلة حال حدوثها”. مضيفاً أن “رتل الإمداد يدخل غالباً في اليوم الثاني من كل شهر، في ساعات الفجر الأولى ويتجه إلى النقاط المحاصرة في مورك والصرمان”.
ويرافق فيلق الشام الرتل التركي، بآليات قوامها من 5 إلى 6 آليات عسكرية مجهزة بالسلاح الثقيل حتى آخر مناطق سيطرة المعارضة السورية، ليتابع طريقه إلى نقاط المراقبة بحماية الشرطة الروسية، التي ترافقه من أول نقطة تسيطر عليها القوات الحكومية وحتى وصوله إلى النقطة ومن ثم خروجه.
وبحسب المصدر العسكري المعارض “يتكون الرتل العسكري التركي من عناصر لإجراء تبديل بين العناصر، وكذلك ذخائر ومعدات لوجستية بالإضافة إلى معونات غذائية وطبية، تكفي لشهر كامل تقريباً”. كما كشف المصدر بأن “الرتل التركي كان يسلك طريق الـ(M5) قبل أن تسيطر القوات الحكومية على معظمه”، مشيراً أنه “منذ التقدمات الأخيرة للنظام لم يخدّم الجيش التركي نقاطه”.
مستقبل النقاط التركية
بعد العملية العسكرية الأخيرة في شمال غرب سوريا، شارفت القوات الحكومية على إحكام السيطرة على كامل الطريقين الدوليين (M4) و(M5)، وبالتالي “تحقيق تفاهمات مباحثات أستانة، التي تنص على سيطرة القوات الحكومية على كامل الطرق الدولية باعتبارها مسألة سيادية” كما ذكر مصدر معارض لـ”ماري” طالباً عدم الكشف عن اسمه.
ويعتبر المصدر أن السيطرة على الطرق الدولية هو طلب روسي وافقت عليه تركيا، مشيراً إلى أنه “عقب استكمال النظام سيطرته على كامل الطرق الدولية سيتم تسيير دوريات مراقبة عسكرية روسية تركية على طول الطرق الدولية، وسيضمن ذلك التجارة المشتركة بين الجانبين على تلك الطرق”.
ومن جانب آخر، تسعى تركيا من خلال نقاطها إلى استنساخ تجربة جنوب سوريا، بحيث تستعيد دمشق السيطرة على كافة القرى المحيطة بالطرق الدولية، شريطة اقتصار وجود عناصر القوات الحكومية في الثكنات العسكرية، دون إقامة مواقع عسكرية داخل البلدات، مقابل ذلك تضمن النقاط التركية العودة الآمنة للأهالي إلى مناطقهم التي عادت لسيطرة القوات الحكومية، مع التزام تركيا بإيجاد تسهيلات للمدنيين خشية أزمة نزوح مليونية جديدة، كما كشف المصدر.
رغم ذلك، فإن المصدر يشكك في نجاح فكرة إعادة المدنيين إلى مناطقهم في شمال غرب سوريا، إذ “من الصعوبة إقناع المدنيين بالعودة في ظل الظروف الحالية، لا سيما في ظل غياب الثقة بين المدنيين والأجهزة الأمنية التابعة للحكومة السورية والتي لم تلتزم باتفاقيات مشابهة كما حدث في الجنوب”.
ويرى المصدر المعارض بأن تركيا ما تزال تنسق مع روسيا وتتعامل معها بموجب المصالح المشتركة بينهما رغم انتقادها لموسكو بما يخص خروقات القوات الحكومية وعملياته العسكرية في شمال غرب سوريا، لافتاً إلى أن تركيا لا يهمها فصائل المعارضة السورية، وإنما تنسق معهم بما يتناسب مع مصالحها السيادية فقط.
من جهته، يعتبر الخبير والمحلل الاستراتيجي أحمد رحال، أن “تواجد النقاط التركية مجهول المهام، فهي ليست قوات فصل بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة المسلحة، كما أنها ليست نقاط إحصاء الخروقات التي قد تجري، إذ لم تعمل على هذا الأساس”، مضيفاً: “لا نعلم مهمتها وغير مفهومة أصلاً، نتساءل مراراً وتكراراً عن مهامها لكن لا جواب من أحد”.
لذا، فإن وجود النقاط التركية في سوريا، قد يكون أقرب إلى محاولة أنقرة “حماية أمنها القومي، ومنع أي تهديدات عابرة لحدودها من سوريا، سواء من حزب العمال الكردستاني أو غيره من التنظيمات الإرهابية أو المعادية لها” كما قال الدكتور محمد سرميني، رئيس مركز جسور للأبحاث والدراسات لـ”ماري” مرجحاً أن يكون “سبب وجود النقاط غير الذي تم الإعلان عنه”.
كما يتوقع سرميني أن تبقى النقاط التركية طالما بقيت تهديدات الأمن القومي التركي موجودة، مستدلاً على ذلك بأن التصريحات الرسمية التركية تؤكد بأن نقاطها ستبقى حاليا في سوريا، بل وترسل مزيد من القوات وتنشر مزيداً من النقاط داخل سوريا.
وختم سرميني قوله “أتوقع بأننا قادمين على مرحلة وقف إطلاق نار طويلة الأمد، مع إضعاف هيئة تحرير الشام وتقليص دورها، لأن كل ما جرى يشير إلى محاولة تحجيمها”.