عمّان- في حادثة خطف جديدة، وقعت ملابساتها في درعا البلد، يوم الجمعة 17 كانون الثاني/ يناير الحالي، ذاع نبأ اختطاف شابين في منطقة الشياح على يد مجموعة من المدينة نفسها، تعمل لصالح الأمن العسكري في درعا، لتضاف إلى سابقاتها من عمليات خطف مشابهة.
وقد خطف الشقيقان أحمد ومصطفى فضل القطيفان في منزل بمنطقة النخلة في درعا، وهي من المناطق التي لا تتواجد فيها أجهزة الحكومة السورية الأمنية، كما ذكرت وسائل إعلام محلية، وبعد التقصّي علمت “ماري” أن مجموعة يترأسها مصطفى المسالمة الملقب بـ”الكسم”، وتعمل لصالح أفرع الأمنية التابعة للحكومة في المدينة هي المسؤولة عن الحادثة.
وفي يوم الحادثة، شهدت مدينة درعا موجة غضب واحتقان من الأهالي، على خلفية الاتهامات الموجهة لمجموعة “الكسم”، وكذلك اجتمعت العشائر في درعا البلد، وأرسلت تهديداً له، مطالبة الإفراج عنهما، إلا أنه أنكر مسؤوليته عن الحادثة، كما ذكر لـ”ماري” الشاب محمد المحاميد (اسم مستعار)، وهو شخص مطلع على حيثيات القصة.
نفي “الكسم” غير صحيح، وفق رواية زوجة أحد المختطفين، للجنة المركزية، وهي مجموعة مؤلفة من قادة سابقين ووجهاء من مدينة درعا، تشكّلت لإدارة شؤونها منذ سيطرة حكومة دمشق على المحافظة في تموز/ يوليو 2018، مؤكدة أن زوجها تعارك أثناء الحادثة مع أحد الخاطفين، وصرخ بعد نزع اللثام عن وجهه، محدداً هوية الخاطفين وأنهم من مجموعة “الكسم”.
وبعد ساعات من التوتر الذي عمّ أحياء درعا البلد؛ خشية أن يلقى الشقيقان مصير الشاب محمد إسماعيل الأبازيد، الذي عُثر على جثته في حي الأربعين، وتبدو عليها آثار تعذيب وطلقة انتهت بالرأس، وصل خبر للجنة، يفيد بوجود المختطفين لدى فرع الأمن العسكري بالسويداء. وهو ما تم تأكيده في اليوم التالي، إذ سّلم فرع الأمن العسكري الشقيقين لمجموعة من أهالي درعا البلد.
وقال عضو اللجنة المركزية أدهم الكراد، لـ”ماري” بأن فرع الأمن العسكري يبدو وكأنه خضع لمطالب الأهالي تفادياً لغضب شعبي كبير بعد التوتر الذي نجم عن اختطاف الشقيقين في أحياء مدينة درعا وتلاحم عشائرها في الضغط على الجهات المعنيّة بالحادثة.
وكان تجمع أحرار حوران -مؤسسة إعلامية محلية- وثق 6 حالات خطف نفذتها ميليشيات سرية تعمل لصالح الأفرع الأمنية في محافظة درعا، منذ مطلع الشهر الحالي، كما ذكر أبو محمود الحوراني، الناطق باسم التجمع لـ”ماري”، مشيراً أحد المخطوفين وُجد مقتولاً، فيما أفرج عن اثنين منهم من فرع الأمن العسكري في إشارة للشقيقين من عائلة “القطيفان”، ويبقى مصير الآخرين مجهولاً.
ميليشيات مجنّدة
شغل مصطفى المسالمة “الكسم” منصباً قيادياً في لواء أحفاد خالد بن الوليد، التابع لفصائل المعارضة المسلحة، إلى أن أجرى تسوية مع عناصر فصيله، بعد سيطرة الحكومة السورية على الجنوب السوري، في تموز/ يوليو 2018. ومنذ إجراء التسوية تحوّل هو ومجموعته إلى ذراع للأمن العسكري، ينفّذ عبرها مخططاته وأجنداته في أحياء درعا البلد، التي بقيت تحت سيطرة فصائل االمعارضة المسلحة التي خضعت لاتفاق “التسوية” ولم تدخلها الحكومة، كما نصّ أحد البنود المتفق عليها بضمانة روسية.
إذ منذ تصاعد احتجاجات أهالي درعا على خلفية الاعتقالات التي تنفذها القوات الحكومية بحق أبنائهم، لجأت الأفرع الأمنية إلى استخدام مجموعات تم تجنيدها، لاختطاف معارضين سابقين وتغييبهم قسرياً، بحسب الشاب المحاميد.
ويترأس “الكسم” واحدة من المجموعات، يقدّر عدد عناصرها 30 شخصاً، بحسب المحاميد، يعملون لصالح فرع الأمن العسكري في درعا، الذي يرأسه العميد لؤي العلي، وهو الفرع المسؤول عن مجموعات أخرى تنفذ اغتيالات واعتقالات لصالحه في المحافظة. وقد كشفت تسجيلات صوتيّة مسرّبة عن إحداها، إذ تثبت تورّط قيادي سابق في فصائل المعارضة بعمليات خطف واغتيال مماثلة لصالح فرع الأمن العسكري بريف درعا الشرقي.
وتضمنت التسجيلات الصوتية التي حصلت “ماري” على نسخة منها، مكالمة ينسق فيها القيادي السابق في فصيل جيش الثورة التابع للمعارضة المسلحة عماد أبو زريق مع شاب يدعى يزن الصلخدي من بلدة النعيمة، ليقوم الأخير باختراق جماعة من بلدة ناحتة ومشاركتهم بأعمال عسكرية ضد القوات الحكومية، بهدف التخطيط لاغتيال معارضين وعاملين في تلك المجموعات.
التسجيلات، تم تسريبها بعد أيام من العثور على جثة الشاب الصلخدي، قرب بلدة أم المياذين بريف درعا الشرقي، في 13 كانون الثاني/يناير الحالي، وهو مقاتل سابق في صفوف فصائل المعارضة المسلحة، عمل فيما بعد لصالح فرع الأمن العسكري بعد إجراء التسوية، كما تثبت صورة “بطاقة أمن مؤقتة” له، حصلت “ماري” عليها.
أما أبو زريق، وهو الطرف الأول في المحادثة مع الصلخدي، كان أحد القادة الموقعين على اتفاق التسوية في جنوب سوريا، إذ غادر إلى الأردن بعد “التسوية” وأقام فيها عدة أشهر، قبل أن يعود إلى بلدته نصيب بذريعة إفلاسه، ويعمل لصالح الأمن العسكري.
ورغم عدم وجود معلومات عن عدد مجموعة أبو زريق، إلا أن مصدراً من بلدة نصيب، طلب عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية، أكد لـ”ماري” بأن قوام مجموعة أبو زريق من عناصر فصيل جيش الثورة، الذي كان أبو زريق قيادياً فيه، ويصل نفوذهم لغالبية قرى ريف درعا الشرقي، حيث كان ينتشر فصيله هناك.
ويستغل أبو زريق عمله كذراع تابع للأجهزة الأمنية في إخراج موقوفين من أبناء بلدته، بحسب المصدر، وقد فعل ذلك مرات عدّة وفق المصدر، “وهو دليل إضافي على أنه مجنّد لصالح الأجهزة الأمنية”.
وإلى جانب عمله الأمني، يمتلك أبو زريق استراحة للمسافرين على طريق معبر نصيب الحدودي، ويعمل مع مجموعة من المقربين منه في تجارة السيارات بطريقة غير مشروعة، إذ يشتري سيارات غير نظامية، ومن ثم يبيعها بعد تثبيت لوحات مزورة، إضافة إلى عمله في شراء الأراضي بالشراكة مع تجار سلاح وعناصر سابقين في فصيله، كما ذكر المصدر,
وزادت شعبة الأمن العسكري صلاحيات أبو زريق وقيادي آخر ممن خضعوا للتسوية، وهو المدعو وسيم العمر المسالمة، عقب اجتماع عقده رئيس الشعبة اللواء كفاح ملحم معهم، في دمشق، بحضور عدد من الضباط المسؤولين عن الملف الأمني لمحافظة درعا، أفضى إلى دعم تشكيلاتهم ومجموعاتهم الأمنيّة السريّة، التي تتولى مهام اغتيالات وتفجيرات لصالح الأمن العسكري، وفق ما تناقلته وسائل إعلام مختلفة.
المسالمة الذي ينحدر من مدينة درعا، تعامل مع عدة جهات أمنية منذ إجراء التسوية، وهو ما أوضحه زين المصري، أحد عناصر فصائل المعارضة المسلحة سابقا في مدينة درعا، إذ “عمل لصالح حزب الله والفرقة الرابعة بالإضافة للأمن العسكري إلى جانب “الكسم” الذي جاوره سابقا في قيادة لواء أحفاد خالد”.
وفي مدينة إنخل، شمال غرب درعا، لا يبدو الأمر مختلفاً، إذ كشف أبو محمد، وهو من أبناء المدينة لـ”ماري” عن مجموعة مؤلفة من 20 عنصر تقريباً، يقودها أمجد نورالدين الناصر، والملقب بـ”الشيطان”، وتعمل هذه المجموعة لصالح فرع المخابرات الجوية وحزب الله.
وإذ تشبه مجموعة “الشيطان” باقي المجموعات من حيث العمل لصالح الأفرع الأمنية في جنوب سوريا، وتنفيذ الاعتقالات والاغتيالات لصالحه، فإنها تفوقهم من حيث كراهية الأهالي لها، إذ يطلق عليها حتى قبل التسوية بأنها مجموعة “الزعران” كما ذكر أبو محمد.
النفخ بنار العشائريّة
تهدف الأفرع الأمنية التابعة لحكومة دمشق، من خلال تجنيد قياديين سابقين في فصائل المعارضة المسلحة بمحافظة درعا، ودفعهم إلى تنفيذ عمليات اغتيال وخطف وتفجير في المحافظة ذاتها إلى ضرب أبنائها ببعض مستغلة الطابع العشائري للمحافظة، بحسب ما ذكر لـ”ماري” أبو محمود الحوراني، الناطق باسم تجمع أحرار حوران.
ووفقاً لأحد أعضاء وفود التفاوض في ريف درعا، والذي طلب من “ماري” عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أن “سياسة النظام في التعامل مع ملف درعا خلال الأشهر الماضية من خلال اعتقال معارضيه بتهم جنائية أو الحجز على أملاكهم، أو اغتيالهم لم تنجح، لذلك اتبع منذ منتصف الشهر الماضي سياسة جديدة، تتمثل في تنفيذ مليشيات محلية من أبناء درعا لهذه العمليات، ومن ثم الكشف عنها بطريقة أو أخرى”.
وبدوره، يرى عضو اللجنة المركزية أدهم الكراد أن التعامل مع عملاء الأفرع الأمنية والمعتدين الذين أضرّوا بأبناء درعا يجب أن يكون بقرار جماعي للأهالي، يتم بموجبه تجريدهم من عباءة العشائرية، ويحارب فسادهم عبر التوجه إلى قضاء عادل.
وأصدر أهالي درعا بيانًا وقّعه ممثّلون عن عشائر المدينة، حصلت “ماري” على نسخة منه، أعلنوا فيه وحدة الدم والمصير المشترك ووقوفهم جنبًا إلى جنب في وجه الفساد ومحاربته بكافة أشكاله ومحاسبة من تورّط وتوغّل بدماء أبنائهم، وفق ما جاء في البيان.