إدلب – بات انتشار المقالع الصخرية في الشمال السوري -بشكل واسع في ريف إدلب الشمالي- يشكل مصدر قلق وإزعاج للمدنيين هناك، وأضرار مدمرة على المنظومة البيئية للمنطقة برمتها، وتتوزع هذه المقالع بشكل مركّز على أطراف العديد من البلدات مثل بلدات أرمناز وكفرتخاريم وغيرها، ويساعد على انتشارها أسباب وعوامل من بينها ارتفاع الطلب على مواد البناء.
وينعكس انتشار المقالع بشكل سلبي على واقع الحياة العامة في المنطقة، فتأثير هذه الظاهرة كبير بحسب المتخصصين في مجال الزراعة والبيئة، وتعتبر المقالع سبب رئيس في تلوث الطبيعة وتدمير الغطاء الحيوي النباتي، ويساهم في نقص عدد المناطق الخضراء والحراجية، وتتسبب بتغير واضح في تضاريس الطبيعة وتهشيم المظهر العام للمنطقة، فضلاً عن مضار أخرى مثل انبعاث الغبار والذي يعد مصدر إزعاج كبير للسكان، وأصوات الآليات التي تعمل في المقالع.
المقالع الصخرية العدو الأول للزيتون
الحاج يوسف أبو علاء 62عاماً، من بلدة كفر تخاريم في ريف إدلب الشمالي، قال لـ”ماري” أن أضرار كبيرة حلت بأشجار الزيتون التي يملكها، والتي تقع على بعد أمتار من مقلع صخري قام بتأجير أرضه لصالحه.
وأضاف أبو علاء “منذ بداية العام 2017، قمت بتأجير قطعة أرض تبلغ مساحتها قرابة 9 دونمات لأحد أصحاب المقالع الصخرية، وهي عبارة عن أرض صخرية تقع في الجهة الشمالية الغربية من كفر تخاريم، على طريق بلدة سلقين”.
لكن، بعد عام من بدء عمل المقلع “بدأت ألاحظ تراجع في إنتاج الموسم، حيث أن شجرة الزيتون الواحدة أنتجت في الموسم الفائت ما بين 10 إلى 15 كغ من الزيت، علماً أنها كانت تنتج بشكل أفضل في السابق وتصل أحياناً إلى 20 كغ، لم أكن أتوقع هذه النتائج لموسم الزيتون”.
وتعليقاً على ذلك، قال المهندس الزراعي، أنس طربوش، أن “ظاهرة المقالع تتسبب بإعطاب وتلف بعض أنواع المحاصيل الزراعية والمزروعات الواقعة بالقرب منها، مثل أشجار الزيتون والتين والرمان”، وذلك “بسبب الغبار الناجم عنها، والذي يمنع انتعاش الأشجار وتغذيتها بشكل كافي”، كما أن “المقالع تتسبب بجعل المساحات الزراعية والحراجية تتقلص بشكل تدريجي، ما يعني أنها سبب رئيس في التصحر”.
وأضاف طربوش، في حديثه لـ”ماري” أن “الغبار الكثيف يعتبر من أبرز ما يزعج السكان هناك، إضافة لأصوات الآلات التي تعد مصدر إزعاج، لأن غالبية المقالع تقع على مسافات قصيرة من البلدات، لا تبعد أكثر من 1 أو 2 كم من تواجد السكان”.
إضافة إلى ذلك، فإن “الغبار الناجم عن تحطيم وطحن الصخور، يقلل من نشاط النباتات والمزروعات، وخصوصاً عند موسم تلقيح الأشجار”، كما “يتسبب الغبار بتقليل عملية التمثيل الضوئي للنباتات، مما يؤدي لشللها وعدم انتعاشها وتراجع محصولها”، بحسب ما قال المهندس الزراعي، صهيب الصقار، من بلدة أرملة في ريف إدلب الغربي.
وأضاف الصقار في حديثه لـ”ماري”: “يتسبب الغبار بتراجع تكاثر النحل، وانخفاض نشاطه وإنتاجه من العسل بسبب تراكم الغبار على الأزهار التي يتغذى عليها، وأيضاً تعطيل عملية تلقيح بعض أنواع الأشجار”.
المقالع الصخرية عدو الجهاز التنفسي
قال الطبيب عبد الرحمن القدور، المتخصص بالأمراض الصدرية والتنفسية في مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي، أن “للمقالع الصخرية المنتشرة في الشمال السوري حالياً وبكثرة، أضرار عديدة على صحة الإنسان بشكل عام وعلى جهازه التنفسي بشكل خاص”.
وأضاف القدور لـ”ماري”، “يعد الغبار الناتج عن هذه المقالع الصخرية، من أبرز ما يؤثر على الجهاز التنفسي، فهو يتسبب بالتهاب الأغشية المخاطية في الأنف عند استنشاقه لفترة طويلة، كما يتسبب الغبار بانسداد جزئي للأنف، وآلام في الصدر وشعور بضيق تنفس”، إضافة إلى “تهيج الأذن وحكة شديدة فيها، كما يتسبب الغبار أيضاً بتردي الوضع الصحي لمرضى الربو والمرضى الذين يعانون من أمراض القلب والشرايين، فضلاً عن أضراره على العين وأمراضها العديدة الأخرى”.
لرأس المال رأي آخر
مؤخراً توسع استخدام الحجر في سوريا أو الذهب الأبيض كما يطلق عليه أبناء المهنة، وساهم تطور أدوات القطع والحفر في مضاعفة الإنتاج، وتوفير الطلبيات بأسعار تناسب كافة الشرائح المجتمعية.
ولأصحاب هذه المقالع بطبيعة الحال، وجهة نظر مختلفة، إذ يعتبرون عملهم مهم جداً بالنسبة للشمال السوري.
وقال إبراهيم أبو محمد، صاحب أحد المقالع المتواجدة على أطراف بلدة كفرلوسين في ريف إدلب: “عمل المقالع يوفر حاجة الشمال السوري من مادة الرمل والحجر للبناء بشكل كامل، خصوصاً مع حركة النزوح الأخيرة، والطلب الكبير على مواد البناء”. كما أنها بحسب ما قال أبو محمد لـ”ماري” “توفر فرص عمل للكثير من الشباب، إذ ينتشر في محيط بلدات: دير حسان، كفر لوسين، وأطمة أكثر من 35 مقلع، يوفر كل مقلع فرص عمل لقرابة 25 شخص”.
ويقوم مبدأ عمل أبو محمد والعشرات من أصحاب المقالع، على استئجار قطعة أرض يتواجد فيها تلال صخرية، بعقود رسمية لمدة 5 سنوات، “ثم نقوم بانزال الآليات الخاصة ونبدأ بقطع الصخور وتحطيمها وانتاج الرمل، ثم تأتي مرحلة نقل الرمل لبيعه”، بحسب ما قال أبو محمد. مضيفاً “على الرغم من وجود عدة سلبيات في عملنا، إلا أنه لا يكاد يختلف في أضراره عن العديد من أنواع الأعمال الأخرى، التي قد تفوق المقالع في أضرارها وسلبياتها”.
صرخات غير مسموعة
يتهم العديد من المصادر الذين تحدثت إليهم “ماري” لغرض إعداد هذه المادة، حكومة الإنقاذ، المتهمة بالتبعية لـ”هيئة تحرير الشام”، بـ”التساهل مع أصحاب المقالع الصخرية في المنطقة”.
وقال الناشط الإعلامي مصطفى الخالدي “لا نعلم حقيقة تساهل الجهات المعنية مع عشرات المقالع الصخرية الموجودة في المنطقة، والتي تتسبب بمعاناة كبيرة للمدنيين، لاسيما النازحين منهم في المخيمات”.
وأضاف الخالدي لـ”ماري” “تعتبر [المقالع الصخرية] من بين أكثر ما يؤرقهم [المدنيون والنازحون]، كل ذلك يحدث في ظل الاكتظاظ السكاني الذي تشهده قرى وبلدات الشمال السوري بعد حركة النزوح التي تعتبر الأوسع من نوعها”.
وأكد الخالدي “أصوات الآلات لا تكاد تهدأ منذ بداية النهار وحتى وقت المساء، إضافة إلى الغبار الكثيف الناتج عن تحطيم الصخور وإنتاج مادة الرمل”.
وطالب الخالدي ومجموعة من سكان بلدته أصحاب المقالع عدة مرات بـ”ضرورة إيجاد أماكن أخرى للعمل أو على الأقل الالتزام بضوابط معينة تخفف من وطأة هذه المقالع وتأثيرها على المدنيين”، لكن “لم نجد أي تجاوب من قبلهم بحجة أنهم يملكون الحق في هذه الأماكن بعد أن قاموا بضمانها من أصحابها بعقود رسمية”.
وكشف الخالدي “حتى أننا كإعلاميين وصحفيين نمنع من قبل أصحاب هذه المقالع من التصوير أو الاقتراب من هذه المقالع”.
وطالب الخالدي “الجهات المعنية” بحسب وصفه، القيام بواجبها تجاه المدنيين والعمل على “تطبيق إجراءات صارمة للحد من انتشار المقالع، وإلزام أصحابها ببعض الخطوات التي من الممكن أن تقي المدنيين بعض المساوئ والمضار، مثل تحديد ساعات عمل معينة، وتخفيف انبعاث الغبار، وتخفيف الضجيج، إضافة لعدم السماح بإقامة مقالع جديدة إلا ضمن قوانين سلامة وتكون مرخصة بشكل رسمي، حتى نضمن استقرار آلاف العائلات المجاورة لهذه المقالع”.
ورداً على ذلك، قال مدير العلاقات الإعلامية في حكومة الإنقاذ، لـ”ماري” أن “المقالع الصخرية لا تتبع للحكومة [الإنقاذ] ولم تتم دراسة وضعها”.
وفي محيط بلدة دير حسان بريف إدلب الشمالي ينتشر أكثر من 20 مقلع في محيط البلدة، والتي تتسبب بحسب حسن العبود، أحد سكان بلدة دير حسان، بـ”إزعاج كبير للمدنيين، وهي منظر غير حضاري، أن ترى الجرافات والتركسات والشاحنات في كل مكان تقوم بقص الجبال وتقطيع الصخور وطحنها”.
وأضاف العبود، لـ”ماري” “أصبحت بلدة دير حسان غير مرغوب بها حتى للسكن ووصل بها الحال أن كانت الوجهة الأخيرة للنازحين بسبب الغبار الكثيف الذي يغطي كل شيء هنا، والأصوات الناتجة عن تفجير وتكسير الصخور لا يمكن احتمالها”.
وختم العبود حديثه بالقول: “نطالب الجهات المسؤولة والمعنية، بوقف انتشار هذه الظاهرة السيئة، والحد من مخاطر عشرات المقالع المنتشرة هنا، وخضوعها لشروط صارمة تقي المدنيين من مخاطرها ومتاعبها التي لم تعد تطاق”.