السويداء – لا يبدو أنه ثمة وقت أسوء من الآن يستقبل فيه أهالي السويداء جنوب سوريا جائحة كورونا، إذ تشهد المحافظة تدهوراً في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية، وبالرغم من عدم تسجيل أي إصابة في المحافظة، إلا أن “الأوضاع لا تبشر بالخير”.
المشهد اليوم أشبه بمثيله عشية انطلاق مظاهرات السويداء، مطلع العام الحالي، احتجاجاً على غلاء الأسعار وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والتي دعا لها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي لتأخذ شكل وقفات سلمية احتجاجية تحت شعار “بدنا نعيش”.
مبنى “تربوي” لحجر ضحايا كورونا
وقال مسؤول في مديرية الصحة بالسويداء التابعة للحكومة السورية، طلب من “ماري” عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية أن المديرية اتخذت عدة إجراءات احترازية منذ مطلع آذار/ مارس الفائت، كما جهزت مشفيين للحجر الصحي، الأول في مشفى سالي الحكومي، ويوجد فيه 200 سرير، بالإضافة إلى تحويل مركز تدريبي تابع لمديرية التربية كمركز للحجر،بسعة ـ22 سرير.
ولفت المسؤول إلى أن المديرية قسمت المشفى الحكومي بمدينة السويداء إلى كتلتين منفصلتين بشكل كامل، مع تحديد مدخل منفصل لكل منهما، وخصصت إحداها للعزل الصحي بطاقة 130 سرير، مع تجهيزها بغرف العناية المشددة والمنافس الطبية.
وأضاف أن “المديرية خصصت حاجزاً طبياً في مدخل المحافظة بالتعاون مع الشرطة، ويفحص كادرنا حرارة جميع المواطنين القادمين باتجاه السويداء”.
وعلى الرغم من عدم تسجيل أية إصابة بفيروس كورونا محافظة السويداء، حتى اليوم، بحسب المصدر ذاته، إلا أنه أكد أن “تم الاشتباه بـ16 حالة كانت تعاني من مضاعفات تنفسية في أيام مختلفة خلال شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل الحالي، وبعد إرسال مسحات إلى دمشق جاءتنا النتيجة سلبية”.
واعتبر المسؤول أن إخفاء أي حالة إصابة مثبتة ليس من مصلحة أي جهة، مضيفاً أن مديرية الصحة كانت تخشى من أن ينتقل المرض إلى المحافظة عبر الأشخاص العائدين من لبنان إلى السويداء بطريقة غير شرعية.
إذ دخل ما يقارب 550 شخص بطريقة غير شرعية من لبنان إلى السويداء، خلال الأسابيع الماضية، وقامت فرق التقصي الوبائي في مديرية الصحة بالسويداء “بمراجعتهم [الذين عادوا بطريقة غير شرعية] وطلبت منهم الالتزام بالحجر المنزلي” مضيفاً “قد يكون أحد هؤلاء قنبلة موقوتة في حال كان مصاباً وقام بمخالطة الآخرين” بحسب المسؤول من مديرية الصحة.
فوضى بالإجراءات الاحترازية
اعتبر طبيب يعمل في المشفى الوطني، طلب من “ماري” عدم الكشف عن اسمه، أن الإجراءات التي اتخذتها مديرية الصحة “فوضوية”، موضحاً أن المديرية أفرغت أقسام البولية والعصبية والجراحة العامة والعظمية من المرضى لإنشاء قسم العزل، ومن ثم نقلت هذه الأقسام إلى قسمي الأورام والهضمية.
وقال الطبيب أن هذا الإجراء “سبب المزيد من الازدحام في الأقسام التي دمجت مع بعضها، وبالتالي المزيد من خطر تفشي المرض في حال كان يحمله أي شخص من المرضى أو الكوادر الطبية”.
وأضاف أن “المشفى يعاني نقصاً حاداً بمواد التعقيم ووسائل الحماية من ماسكات وقفازات، حيث يعطى كل عنصر ماسك واحد فقط لكل مناوبة خصوصاً في الأقسام التي تستقبل كل يوم مرضى مناعتهم ضعيفة على غرار قسم الكلى”.
وكشف المصدر عن تسجيل أربع وفيات في المشفى الوطني بالسويداء منذ مطلع شهر شباط/ فبراير الماضي حتى منتصف نيسان/أبريل الجاري، بسبب أمراض تنفسية، وهم سيدة ستينية، وشخصين مسنين، ورجل أربعيني، مستدركاً أنه “تم تشخيص حالاتهم بذات الرئة وانفلونزا موسمية، وقد تمت مراسم دفنهم بإشراف كادر طبي متخصص، دون السماح لأي شخص بالاقتراب من جنازاتهم”.
وأوضح الطبيب “هذا لا يعني بالضرورة أنهم مصابون بالكورونا فقد تم فحص جميع أقاربهم وكانت النتائج سلبية، لكن الدفن بإشراف كادر طبي هو إجراء احترازي متبع عند حدوث وفاة بسبب مرض تنفسي”.
لكن، وفقاً للطبيب ذاته، فإن “محافظة السويداء لا تحتوي على جهاز تحليل pcr الذي يشخص الإصابات بفيروس كورونا، حيث ترسل المسحات من المشتبه بإصابتهم إلى دمشق، وتعود النتيجة من المخبر المرجعي في مدة تتراوح بين 24 إلى 72 ساعة”.
إضافة إلى ذلك، فإن عدد المنافس الطبية لا يتجاوز 28 منفسة في المحافظة، والقسم الأكبر منها يوجد الآن في قسم العزل بمشفى زيد الشريطي، بحسب الطبيب، واصفاً الوضع في السويداء بأنه “مقلق وقد تكون النتائج كارثية في حال انتشر الفيروس بالمحافظة”.
كورونا والفلتان الأمني !
قال ضابط ملازم في مديرية الأمن الجنائي التابعة لوزارة الداخلية بالسويداء، لـ”ماري” أن “[الأمن الجنائي] بالتعاون مع قيادة شرطة المحافظة وفرع المرور وفرع الشرطة العسكرية، يسيرون دوريات مشتركة في مدينة السويداء، منذ بدء سريان إجراء حظر التجول الجزئي في 25 أذار/مارس بشكل يومي، من الساعة السادسة مساءً وحتى السادسة صباحاً”.
ولفت الضابط إلى أن نطاق عملهم يقتصر على مدينة السويداء، ويلاقون صعوبات عديدة في تطبيق الإجراء، نتيجة عدم التزام بعض المواطنين.
ووفقاً للضباط، فإن دوريات فرع الأمن الجنائي تعرضت لإطلاق نار في حادثتين منفصلتين بمدينة السويداء خلال الأسابيع الماضية، من أشخاص رفضوا الامتثال لحظر التجول، ما أدى لإصابة 3 عناصر، مضيفاً أن “العناصر اضطروا للرد على مصادر النيران وقتلوا شخصاً في إحدى الحادثتين، وأصابوا شخصاً آخر من الذين فتحوا النار عليهم”، وعلى أثر الحادثة التي قتل فيها أحد الشبان تعرض فرع الأمن الجنائي لإطلاق نار كثيف من قبل رفاق القتيل.
وأوقفت الدوريات المشتركة في مدينة السويداء 26 شخصاً، وتم اقتيادهم إلى فرع الأمن الجنائي بسبب مخالفتهم “حظر التجول” بحسب الضابط، إلا أنه بعض أقارب الموقوفين هاجموا الأمن الجنائي، في عدة حوادث، وهو ما “اضطرنا لإطلاق سراح الموقوفين الذين طالبوا بهم، ويوجد بعض من تم توقيفهم وإطلاق سراحهم مطلوبين للخدمة الإلزامية”.
وقال أحد أفراد عائلة نعيم بمدينة السويداء، لـ”ماري” أن دورية للأمن الجنائي اعتقلت أحد أقاربه الأسبوع الماضي، بعد 5 دقائق من حظر التجول، أثناء عودته من عمله، مضيفاً “أوقفوه لأنه مواطن بسيط ولا يحمل السلاح، لم يبلغونا أنه لديهم، وظننا أنه مخطوف، وبعد 48 ساعة حتى علمنا مكانه، وضغطنا على الفرع حتى أطلق سراحه”.
واتهم الشاب الجهات الأمنية بالسويداء، بـ”عدم الجرأة على تطبيق أي إجراء على أفراد العصابات، وعناصر المليشيات والفصائل المسلحة”.
وفي سياق آخر، قال الضابط من الأمن الجنائي أن عمليات السرقة تزايدت في مدينة السويداء في الأونة الأخيرة، “تم تبليغ مديرية الأمن الجنائي بأكثر من 25 حادثة سرقة خلال أسبوعين، توزعت بين محال تجارية وسيارات ودراجات نارية، كما تعرضت إحدى المؤسسات الحكومية الاستهلاكية للسرقة أيضاً”.
من لم يمت بكورونا مات جوعا!
شهدت أسواق المحافظة في الأسابيع الماضية تعطل آلاف المواطنين عن أعمالهم في الأعمال الحرة وعشرات المهن الأخرى، وإغلاق متاجر الألبسة، ما شكل ازدياداً في نسبة البطالة بشكل غير مسبوق، دون أي تعويضات حقيقية من الحكومة.
وقال رامي عريج، مالك متجر أغذية في مدينة السويداء لـ”ماري”، أن كيلو الفروج الحي ارتفع من 1400 ليرة (1.11$) إلى 1800 ليرة (1.42$)، فيما قفز سعر طبق البيض من 1500 (1.2$) إلى 2500 ليرة (1.98$)، وكيلو البطاطا من 400 ليرة (1.11$) إلى 900 ليرة (0.71$) ليعود وينخفض إلى 500 ليرة (0.39$) بعد طرح البطاطا الموسمية، وكذلك الحال بالنسبة لمعظم السلع والمواد الغذائية.
ولفت رامي إلى أن ارتفاع الأسعار يعود للمصدر ولا علاقة للباعة فيه، “ارتفاع الأسعار ينعكس علينا وعلى المواطنين سلباً، فنحن نبيع بأسعار ونشتري بأسعار أعلى منها وبالتالي نخسر من رأس المال”. كما أكد أنه لا يلاحظ أي التزام من الأهالي بالإجراءات الاحترازية، سوا انخفاض طفيف بالحركة الشرائية نتيجة ارتفاع الأسعار، وعدم توفر وسائط نقل بين الريف والمدينة.
أما ياسر عزام، يملك مطعماً متواضعاً بالمدينة، قال لـ”ماري: أنه يعاني من ظروف سيئة جداً نتيجة إغلاق مصدر رزقه الوحيد منذ بداية الإجراءات الاحترازية، مشيراً إلى أنه حاول تسجيل اسمه في وزارة الشؤون الاجتماعية التي أعلنت عن تعويضات يصفها بـ”المزعومة”، لكن دون فائدة.
وأشار إلى أنه لا يستطع فتح المطعم، إذ قد يعرضه ذلك لمخالفة قدرها 500 ألف ليرة (397$)، مما أجبره البحث عن أي عمل جديد، دون أن يكترث بالإجراءات الاحترازية.
وختم “نموت بالكورونا أحسن ما نموت من الجوع”.