تقاريرحكاية

طلبة إعلام جامعة دمشق: في حضرة الرقابة وفقدان الخبرات والفرص

دمشق – أن تحظى دمشق باهتمام وسائل الإعلام الدولية، ويتلقّف الصحفيون الأخبار الواردة من هناك، هذا لا يعني بالنسبة لـ”رنا إبراهيم” أن فرص العمل في هذا القطاع متاحة أمامها، إذ ثمة قيود تُفرض على الصحفيين في العاصمة تحول دون انخراطهم في هذا القطاع.

تخرجت رنا (28 عاماً) من قسم الإعلام في جامعة دمشق في العام الماضي، ولم تخرج في سنوات الدراسة الأربع إلا “بعلوم نظرية لا تؤهل صاحبها للانخراط في سوق الإعلام” كما قالت لـ”ماري”، طالبة عدم الكشف عن هويتها الحقيقية لأسباب أمنية، كما أنها لو امتلكت خبرة عملية “فالسوق يعتمد على الواسطة والمعارف”.

وكانت جامعة دمشق، قد افتتحت كلية الإعلام في عام 2010، بعد أن كان قسم الصحافة والإعلام تابعاً لكلية الآداب، وسط آمال بأن تتيح الكلية الجديدة بمختبراتها واستديوهاتها للطلبة تعليماً نظرياً وعملياً مميزاً، وهو ما صرّح به نائب عميد كلية الآداب، خالد الحلبوني، قبيل افتتاح الكلية موضحاً أن قسم الإعلام في جامعة دمشق سيتحول من قسم تابع لكلية الآداب إلى كلية مستقلة “تعنى بشؤون الإعلام” بهدف “دمج التدريس بالتدريب” ولكن هذا لم يحصل.

بداية غير موفقة

قبيل افتتاح كلية الإعلام كان يتوجب على طلبة الإعلام الخضوع لتدريب عملي في المؤسسات الإعلامية، وهي بطبيعة الحال قليلة في بلد مثل سوريا، إذ لا توجد صحف خاصة مرخصة في سوريا باستثناء صحيفتين يوميتين تصدران من المنطقة الحرة، وتعود الأولى، وهي صحيفة الوطن، إلى رامي مخلوف ابن خال الرئيس بشار الأسد، فيما تعود الثانية، وهي صحيفة بلدنا، إلى أحد أبناء ضباط الأمن البارزين، كما ذكر المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، فيما يقدّر المركز عدد الصحف الأسبوعية بنحو 25 صحيفة.

لذلك فإن خضوع الطلبة للتدريب في تك المؤسسات يشكل ضغطاً عليها، باعتبارها “مكان عمل وليست مكاناً للتدريب”، بحسب الحلبوني، معتبراً أن تدريب الطلبة في مبنى الكلية يعطيهم فرصة كبيرة للتدريب وبإشراف مباشر من أساتذتهم.

ولكن، في عام 2012 منحت جامعة دمشق مبنى كلية الإعلام لـ”الإخبارية السورية” على سبيل الإعارة، ومع مرور سنوات على ذلك أصبحت استديوهات مبنى كلية الإعلام حكراً على الإخبارية وكوادرها ومحرّمة على طلبة الإعلام.

وكان الدكتور محمد العمر، عميد كلية الإعلام في جامعة دمشق، قد تساءل في حديثه إلى وسائل إعلام، العام الماضي “كيف لي أن أعمل على الجانب التطبيقي والعملي إذا كنت لا أملك شيئاً في الكلية؟ لا استديوهات ولا كاميرات” موضحاً أن الكلية عندما تأسست عام 2010 “تأسست على مركز تدريب إعلامي على مستوى المنطقة، وهو حالياً الإخبارية السورية”. 

وفي حديث لـ”ماري” مع الدكتور يحيى العريضي، وهو أول عميد لكلية الإعلام في جامعة دمشق، قال بأن “أحد أسباب استقالتي من منصبي آنذاك هو قضية مختبرات الكلية واستديوهاتها”، كاشفاً بأنه “اختلفت مع رئيس الجامعة، الذي كان يريد منح مبنى التدريب لإحدى الشركات، مقابل 12 مليون ليرة سورية”.

ومقابل هذا الحرمان، وجد بعض طلبة الإعلام في جامعة دمشق أنفسهم أمام حرمان من نوع آخر، إذ “أصبحت علامات المواد العملية حكراً على الطلبة المقتدرين مادياً، والذين يعوّضون غياب التدريب العملي في الجامعة بتدريب عملي مدفوع الأجر للجامعة” بحسب ما ذكر أحد الطلبة لـ”ماري” طالباً عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية.

غياب حرية التعبير

في الوقت الذي تتمنى رنا إبراهيم الحصول على فرصة عمل في مجال الإعلام في دمشق، تمثل أمامها قصص بعض زملائها، الذين مارسوا المهنة في بلد “كل كلمة في إعلامه تحتاج إلى تفسير وتوضيح” وقد تودي بك كلمة إلى “أحد الأفرع الأمنية” كما قالت لـ”ماري”، فوق ذلك “قد لا يعترف الفرع الأمني بك”.

واستدلت على كلامها بما حصل مع زميلها، إذ “كتب مادة صحفية مستخدماً مصطح: السلطات السورية بدلاً من الدولة السورية” ما اعتبرته الأجهزة الأمنية إساءة لحكومة دمشق “وتعرض للمساءلة والتحقيق”.

وفي حادثة أخرى، غطّت إحدى صديقات رنا وقفة احتجاجية لطلبة الدورة التكميلية في الجامعات السورية، وقد تم احتجاز المشاركين، بما في ذلك الصحفية، إذ “تم احتجازها 40 يوماً، وبعد إطلاق سراحها تم تسليمها كتاب منع مزاولة للإعلام”.

ومقابل هذا التقييد للحريات، فإن متوسط الرواتب الشهرية للصحفيين في المؤسسات الإعلامية السورية في العاصمة دمشق تقدّر بنحو 50 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 50 دولار أميركي فقط، هذا الراتب “قد لا يكفي الصحفي مصاريف التنقل” بحسب ما قالت رنا.

وتذيّلت سوريا قائمة التصنيف العالمي لحرية الصحافة عام 2019، في المرتبة 174 من أصل 178، بحسب ما نشرت شبكة “مراسلون بلا حدود”

كلّ ذلك أوجد شعوراً لدى الشاب محمد، وهو طالب في تخصص الإعلام بجامعة دمشق، بأن قراره كان خاطئاً في دراسة هذا التخصص، الذي شارف على التخرج منه، معبراً في حديثه إلى “ماري”: “لو دخلت تخصص التاريخ لكان خيراً لي من الإعلام”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button