إدلب – يقول لوران فينيو: “إن الأوبئة نتاج مشترك بين الطبيعة والمجتمعات، بين الميكروبات والبشر، الجراثيم لا تصبح خطيرة إلا في ظروف معينة”، وبحسب فينيو وهو مؤرخ العلوم في جامعة بورغوندي الفرنسية فإن العكس صحيح أي أن الجهود الأهلية المجتمعية تعد العامل الأول في هزم أي جائحة تواجه البشرية.
تبدو مقولة العالم الفرنسي هي السلاح الوحيد الذي يشهره الشمال السوري في وجه كورونا، في ظل الظروف القاسية التي يعيشها أكثر من مليون نازح سوري منتشرين عند الحدود السورية مع تركيا، بحسب إحصائية منظمة “منسقو الاستجابة” السورية، تنذر بتفشي وباء كورونا هناك سيما مع انشغال المنظمات والجمعيات الإغاثية في تأمين احتياجات تلك الأعداد من سكن وطعام ولباس.
ما حك جلدك مثل ظفرك
ربما ينطبق المثل القائل “ما حك جلدك مثل ظفرك” على واقع الحال في الشمال السوري، حيث لا تعير المنظمات الدولية اهتماماً للمدنيين هناك ما دفع لانتشار حملات تطوعية، ومبادرات خيرية في المنطقة للتصدي للجائحة.
أثقلت موجات النزوح المتوالية كاهل منظمات وجمعيات المجتمع المدني المنشغلة في تأمين سبل العيش للوافدين نحو الشمال، ما دفع الأهالي لإطلاق حملات تطوعية، وإن كانت خدماتها المحدودة لا تشكل حلاً، حيث سعى عدد من السكان في إدلب تشكيل حملات طارئة وفرق إغاثية تطوعية بهدف تأمين بعض الاحتياجات للوافدين الجدد.
وساهمت هذه الفرق إضافة لعملها في تقديم المواد الإغاثية والمسكن للأهالي الى مساندة المنظمات والجمعيات الإغاثية، للحيلولة دون وصول وباء كورونا للشمال السوري عن طريق إقامة ندوات توعوية بمخاطر الوباء، وسبل الوقاية منه، إضافة لنشر بروشورات توعوية، وتقديم مواد التعقيم والمنظفات وغيرها.
إرشاد وتثقيف بالوباء وتوزيع معقمات
يعمل فريق “مجموعة ياسمين” الإنساني، بحسب قائد الفريق فراس بركات، في توعية الأهالي داخل المخيمات عن طريق إقامة ندوات، وتقديم بروشورات توعوية تتضمن التوعية عن مخاطر وباء كورونا ومخاطره وسبل الوقاية منه، بالإضافة لتوزيع مواد التعقيم على الأهالي في المخيمات، حيث “قام الفريق بتوزيع أكثر من 400 حقيبة تحتوي على مواد تعقيم”.
وقال بركات، لـ”ماري” أن فريقه يتكون من متطوعين ذكور وإناث، كل بحسب الاختصاص المناسب له، ويعتمد الفريق في عمله على جمع التبرعات بعد توثيق الأعمال والنشاطات التي يجريها للحيلولة دون وصول وباء كورونا الى الشمال السوري.
أيضا، من بين هذه الفرق “فريق طوارئ سرمدا” وشأنه كغيره من الفرق التطوعية التي تفاعلت بعدد من الأنشطة للحد من انتشار الوباء، ومنع وصوله للشمال السوري، حيث أطلق الفريق عبر صفحته الرسمية على “الفيسبوك” حملة تحت مسمى “خليك ببيتك” على مبدأ الوقاية خير من العلاج، للوقاية من وباء كورونا.
ويستهدف الفريق مخيمات النازحين في مدينة سرمدا وريفها، ويقوم بتوزيع “بروشورات” توعوية على الأهالي مع تقديم بعض النصائح والارشادات اللازمة للوقاية من الفيروس وصابون تعقيم، كما قام الفريق بتعليق عدد من الفلكسات التوعوية في بعض الشوارع الرئيسية على المرافق العامة في مدينة سرمدا.
أما فريق “إدلبيون” العامل في مدينة ادلب، فقد بدأ بتقديم دورات تمكين لأفراد الفريق عن كيفية التعامل، والحد من انتشار فيروس كورونا، كما أطلق عددا من حملات التوعية بمخاطر الفيروس في مدينة ادلب والمخيمات المحيطة بالمدينة، بحسب ما قال مسؤول العلاقات العامة في الفريق، أحمد بكران.
وأضاف بكران، لـ”ماري” “الفريق يسعى إلى تأمين بعض اللوجستيات وتوزيعها في الشمال السوري، كما يعمل على تكثيف حملات التوعية بالتنسيق مع مديرية الصحة في مدينة إدلب، إضافة إلى باقي الفرق التطوعية العاملة في المدينة”.
مناشدات لا تلقَ آذان صاغية
ناشد فريق “منسقو الاستجابة” الدول المعنية بالشأن السوري ومنظمة الصحة العالمية على وجه الخصوص للعمل على رفع جاهزية القطاع الصحي في الشمال السوري خوفا من انتشار فيروس كورونا، وعدم قدرة القطاع الصحي من السيطرة عليه، دون أن يلقى ردا على ذلك.
واعتبر الفريق أن ستة ملايين نسمة موجودين في الشمال السوري، منهم مليون ونصف المليون يقطنون المخيمات، وهم مسؤولية الجميع وليست مسؤولية دولة أو جهة واحدة، وحذر من تحول الشمال السوري الى “بؤرة وباء في حال وصول الفيروس إليه”.
كما سارعت الجمعيات والمنظمات في داخل وخارج سوريا لقرع ناقوس الخطر عبر اتخاذ إجراءات احترازية لمنع وصول الوباء إلى الشمال السوري، حيث أطلقت عدّة منظمات سورية محلية حملات وقائية واسعة لإجراء اختبارات الكشف المبكر عن فيروس كورونا ومنع وصوله إلى المناطق المحررة في شمال سوريا.
تضمنت الأنشطة تعقيم المدارس والمراكز الصحية والمساجد، والمراكز الثقافية، ومباني المؤسسات الخدمية الرسمية، إضافةً إلى تدريب كوادر مسعفين متخصصين للتعامل مع الحالات المحتملة وتأمين المصابين، وآليات التعقيم مع تطبيق للسيناريوهات العملية المحتملة، وحملات توعية حول الإجراءات الذاتية لمكافحة الفيروس في كافة مناطق الشمال السوري بما فيها المخيمات.
تدريب وخطط طوارئ تحسباً للأسوء
أعدّت منظمة بنفسج، منظمة إنسانية محلية، خطة طوارئ واستجابة عاجلة لمنع انتشار الوباء ووضعت خطة واضحة لفرق الصحة المجتمعية، والحماية لزيارة مراكز التجمعات السكانية ودور الإيواء المؤقتة والمخيمات، بهدف نشر الوعي الصحي من خلال توزيع بروشورات وحقائب نظافة مثل معقم الأيدي والصابون والبروشورات، واستخدمت أساليب تفاعلية كالمسرح وألعاب تحدي تنظيف اليدين لإيصال رسائل الوقاية الذاتية للأطفال.
كما عمدت على تخصيص ثلاثة فرق لتعقيم مراكز الإيواء والمساجد، والمرافق العامة، والمخيمات في إدلب، ومعقمات وصناديق الحماية الشخصية للعاملين الصحيين، ومخيم حجر مجتمعي يضم خمسين خيمة ويتسع لـ 200 شخص، كما يتم العمل على فكرة المباعدة الاجتماعية من خلال المتطوعين وبعض الشخصيات المفتاحية بهدف إبقاء الناس في بيوتها، وعدم خروجها للشارع في حال تفشى الوباء، كما قامت المنظمة بإنتاج 5000 واقي وجه وعمدت إلى تقديمها للأطباء والكوادر الطبية المتواجدة في الشمال السوري لعدم توفرها ضمن الأسواق.
بدورها قامت “جمعية عطاء” ضمن حملة الوقاية والتوعية من وباء كورونا، بإنشاء خيمتين لمستشفى الساحل التخصصي في منطقة جسر الشغور بريف إدلب، لفحص المراجعين من حالات الكورونا، كما عمدت على تشكيل فريق السلامة، والصحة لإجراء حملات توعية بوباء كورونا العالمي، من خلال توزيع البروشورات التعريفية بهذا الوباء، وطرق انتشاره وكيفية الوقاية منه، من خلال القيام بجولات على مخيمات المهجرين في أرياف إدلب وحلب.
كذلك منظمة إنسان الخيرية فقد اتخذت الإجراءات ذاتها التي اتخذتها غيرها من المنظمات والجمعيات في الداخل السوري، وبحسب مديرها عبد الناصر تعتاع، فقد تم إجراء حملات توعية عن الكورونا من خلال تزويد السلل الإغاثية وأكياس الخبز ووجبات الطعام التي يتم توزيعها ببروش دورات توعوية عن مخاطر الوباء وكيفية التعامل معه والوقاية منه.
كما عمدت النقاط الطبية التابعة للمنظمة في المخيمات والتجمعات السكانية التابعة لها بإجراء حملات توعية للمستفيدين في تلك التجمعات، وتم إجراء دورات تعريفية لمدراء المخيمات للتعرف على الحالات المشتبه بها وكيفية التعامل المباشر معها، وقد تم تخصيص سيارة إسعاف للاستجابة السريعة لمثل هذه الحالات.
ويتابع تعتاع “يعتبر دور المنظمات العاملة في الشمال السوري في مواجهة وباء كورونا بسيط في ظل الازمة الحالية، والنزوح الكبير حيث أن غالبيتها مشغول بتأمين السكن والطعام للوافدين في الشمال”.
تحذيرات أممية لا تغني ولا تسمن
حذرت “الأمم المتحدة”، من تداعيات احتمال انتشار فيروس كورونا، بين المدنيين في مناطق شمال غربي سوريا، حيث يعانون أساسًا من أوضاع متردية للغاية.
كما حذرت هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (İHH)، من كارثة إنسانية قد تعصف بالمدنيين السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، في حال انتقال عدوى “كورونا” إلى مخيمات النازحين البدائية، التي يكاد الحفاظ فيها على التباعد الاجتماعي يكون معدوما.
وشدد فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في مؤتمر صحفي على أن “الأمم المتحدة تكثف جهودها حاليًا للحد من انتشار الفيروس، مع التركيز على تعزيز القدرة على اكتشاف وتشخيص ومنع انتشاره إلى أقصى حد ممكن، مع ضمان المراقبة الكافية لنقاط الدخول، وتوفير معدات الحماية والتدريب للعاملين الصحيين”.
ولفت إلى أن “منظمة الصحة العالمية تقود دعم الأمم المتحدة في مواجهة انتشار الوباء وتخفيف وطأته في سوريا”.