دمشق – لم يكن الشاب سيف مصطفى الفريح، 17 عاماً، الهارب وعائلته من مدينة دير الزور إلى العاصمة دمشق، يعلم أنه سيلقى حتفه برصاصة طائشة خلال احتفالات رأس السنة الميلادية 2020 في ساحة باب توما بدمشق، حيث فارق الفريح الحياة قبل وصوله إلى المشفى الفرنسي التي أسعف إليها، جراء رصاصة استقرت في الرأس.
وفي الليلة ذاتها، تعرض أكثر من 53 شخصاً لإصابات مختلفة، جراء إطلاق نار عشوائي احتفالاً برأس السنة، بحسب ما قالت وكالة الأنباء السورية “سانا”.
هذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها في احتفالات رأس السنة، ففي احتفالات العام الماضي، قتل شخصان وأصيب أكثر من 80 شخصاً في عدد من المحافظات جراء إطلاق النار العشوائي، بحسب “سانا”.
“حبر على ورق”
أصيب الطفل رامي البالغ من العمر ثماني سنوات برصاصة في فخذه الأيمن بينما كان يلعب في باحة منزلهم في ليلة رأس السنة، بحسب ما قالت والدة الطفل لـ”ماري”، مضيفة “أناشدكم ألا تجعلوا أفراحكم أتراحاً لغيركم”.
وفي الليلة ذاتها، أصيب الشاب محمد الأحمد (اسم مستعار) برصاصة في خاصرته أثناء خروجه من المنزل لشراء بعض الحاجيات التي كانت تنقص العائلة لأجل “سهرة رأس السنة” إلا أنه قضى وعائلته تلك الليلة في المستشفى، بحسب ما قال لـ”ماري”.
وأضاف الأحمد “هذا الوضع لم يعد مقبولاً في كل عام نضطر للإختباء في منازلنا ونبتعد عن الأبواب و الشبابيك خوفاً من الرصاص الطائش”. وفي احتفالات العام الماضي، نجا والد زوجة محمد من رصاصة استقرت بالقرب منه، ما أصبح يشكل هاجس لدى العائلة في مطلع كل عام.
لكن، قبل أيام من هذه الحوادث قال معاون قائد شرطة دمشق على إذاعة “شام إف إم”، بأنه “هناك توجيه لمنع إطلاق الرصاص الطائش بسهرة رأس سنة 2020، داخل المنازل والمحال وأماكن التجمعات”، مشيراً إلى أن “هذا التوجيه عام وينطبق على السلاح بكل أنواعه المرخص وغير المرخص”.
فيما لم تكن هذه التوجيهات إلا “حبراً على ورق” كما أنها لم تشكل أي رادع أو مانع أمام مطلقي الرصاص، ووفقاً للأهالي فإن “وزارة الداخلية (التابعة للحكومة السورية) اكتفت بالمشاهدة فقط”.
من المسؤول؟
يعد إطلاق النار في سوريا عادة شعبية قديمة، إلا أنها ارتفعت خلال الحرب الدائرة وفوضى السلاح الحاصلة، لاسيما بعد أن أصبح السلاح في متناول الجميع، وظهرت العديد من الفصائل العسكرية الحليفة للحكومة السورية، والتي تنتشر في الأحياء السكنية والمدن، بما فيها العاصمة دمشق.
ومع حلّ الحكومة لعدد من الفصائل العسكرية الرديفة للقوات الحكومية، كـ “قوات الدفاع الوطني”، بقيت الأسلحة في يد عناصرها، الذين أصبحوا “مقاتلين سابقين”، حيث “أصبح السلاح بمختلف أنواعه رشاشات وقنابل ومسدسات ومخازن تباع بكثرة قبل رأس السنة الجديدة” من قبل المسلحين السابقين، بحسب مراسلة “ماري”.
وفي ليلة رأس السنة، تجري عملية إطلاق النار بشكل عشوائي من مدنيين حاملين للسلاح، وعناصر الفصائل العسكرية الموالية للحكومة السورية احتفالاً برأس السنة الجديدة، ففي منطقة جرمانا بريف دمشق، قال عدد من الأهالي لمراسلة “ماري” أن بعض المدنيين من جيرانهم قاموا بإطلاق النار بشكل عشوائي من شرفات منازلهم مع دخول رأس السنة الجديدة.
وفي منطقة باب شرقي، أحياء دمشق القديمة، قام ثملاً في إحدى بارات المنطقة بإطلاق النار من مسدسه الشخصي، احتفالاً برأس السنة. وفي منطقة صحنايا بريف دمشق، قام شخص بإطلاق النار بواسطة رشاش آلي من سطح منزله، ما أثار الرعب بين أهالي الحي الذي يقطن فيه، بحسب ما قال أحد السكان لـ”ماري”.
كلام الناس
في ساحة باب توما التي قتل فيها سيف، التقت مراسلة “ماري” بعدد من السكان الذين شهدوا لحظة مقتل الشاب، والذين عبروا عن غضبهم من عدم تحرك “أجهزة الدولة” لاتخاذ إجراءات صارمة لمنع تكرار هذه الحوادث.
إذ ذهب بعض الأشخاص الذين التقت بهم المراسلة إلى أن بعض المسلحين قاموا باستغلال هذه المناسبات لأخذ “ثأر شخصي” أو لـ”تصفية حسابات” تحت مظلة “إطلاق ناري عشوائي”.
وقال أبو محمد أحد السكان الذين التقت بهم المراسلة، إن “إطلاق الرصاص بات تقليداً عند السوريين في كافة المناسبات، بعدما أصبح الحصول على الرصاص أسهل من المازوت والغاز والحاجات الإنسانية الأساسية” في ظل الفلتان الأمني السائد في مختلف المناطق السورية.