تقارير

السويداء.. إما الفلتان الأمني أو العودة إلى بيت الطاعة (الحكومة)

السويداء – تشهد محافظة السويداء، جنوب سوريا، انتشاراً متزايداً لعمليات “الخطف”، حتى باتت تلك العمليات في ظل “الفلتان الأمني” الذي تعيشه المحافظة، مصدر قلق لسكانها، بعد أن كانت تُعرف ببنيتها الاجتماعية المتماسكة، ومحدودية الجرائم فيها إلى ما قبل عام 2011.

وتشير الأرقام الصادرة عن شبكة “السويداء 24″ بأن المحافظة سجلت حالة خطف واحدة كل 32 ساعة تقريباً، إذ وثقت الشبكة في تقريرها السنوي 267 حالة خطف واعتقال في عام 2019، 151 منها على يد ما وصفتهم الشبكة بـ”العصابات والمجهولين” الذين ينفذون عملياتهم لأجل تحصيل “فدية مالية” من ذوي المختطفين. و25 حالة خطف على يد الفصائل المحلية، فيما كانت 7 حالات على يد فصائل محافظة درعا المجاورة، في عمليات الخطف والخطف المضاد بين المحافظتين.

ويضاف إلى ذلك، اعتقالت الدولة نحو 45 مدنياً، تم الإفراج عنهم لاحقاً، بعد ضغوط من فصائل السويداء، ومقابل ذلك اعتقلت تلك الفصائل 39 عنصر وضابط للنظام، تم مقايضة الغالبية منهم على معتقلين من أبناء المحافظة، وفق تقرير “السويداء 24” السنوي.

وفي حديثه مع “ماري” قال رامي، وهو ناشط محلي طلب عدم الكشف عن اسمه الكامل لدواع أمنية، بأن “عدد أفراد العصابات في السويداء يقدّر بالعشرات، معظمهم كانوا مقاتلين في صفوف فصائل موالية للقوات الحكومية، وبعضهم كان على النقيض مع فصائل محلية مناهضة للدولة”. لافتاً إلى أن “معظم أنشطة هذه العصابات تتركز في مناطق عريقة، شهبا، صلخد، مجادل، ومدينة السويداء”.

وكشف رامي عن تسجيل “عمليات خطف على أوتستراد دمشق-السويداء، والذي يعتبر الشريان الاقتصادي الوحيد للمحافظة” مما يعود على السويداء “بنتائج سلبية، لا سيما أن عمليات الخطف تستهدف مواطنين من أبناء المحافظات الأخرى، وبالتالي دفعت المستثمرين إلى العزوف عن التفكير في أي نشاط تجاري في السويداء”.

وفوق ذلك، أسهمت أجهزة الأمن في ارتفاع حوادث “الخطف” وعمليات السلب في المحافظة، إذ تجنبت في عدة حوادث مواجهة العصابات، بحسب ما ذكر رامي، مستشهداً بحادثة وقعت الصيف الماضي  في بلدة “عريقة”. حيث أقدمت عصابة من القرية على سرقة شاحنة مزودة بنظام (جي.بي.إس)، وبعد تقديم مالكيها بلاغاً للأمن، توجهت دوريتان للشرطة رفقة سيارة تابعة للفصائل لإعادة الشاحنة لذويها، إلا أنهم انصرفوا دون استعادتها فور مقاومة عناصر العصابة للأمن.

فلتان أمني

ما تشهده محافظة السويداء اليوم، هو حصاد ما أفرزته الأحداث بين عامي 2014 و 2015، حيث تصاعد الغضب الشعبي لأبناء المحافظة تجاه عمليات سوق شبابها للخدمة العسكرية (الإلزامية، والاحتياطية)، واقتيادهم إلى جبهات القتال في محافظات أخرى، ومن ثم إعادتهم بتوابيت الموت اليومية، بحسب ما ذكر ابن محافظة السويداء أيهم لـ”ماري”.

ولم تكتفِ الدولة بذلك، بحسب أيهم، بل أساء لذوي القتلى من خلال تقديم تعويض لهم، مما زاد من استيائهم بدل مواساتهم.

كل ذلك دفع أهالي السويداء إلى التزام مبدأ “الحياد” تجاه الأحداث الدائرة في سوريا، دون الانحياز لأي طرف من أطراف الصراع، مقابل ذلك اتجه البعض إلى التصعيد ضد أجهزة الدولة الأمنية، في محاولة لوقف عمليات الاعتقال والتجنيد الإجباري، وأقدموا على احتجاز وخطف عناصر للقوات الحكومية وفروعها الأمنية.

وعلى حدّ تعبير أيهم، فإن الحكومة تظاهر في البداية باتباع سياسة “المرونة” مع أي احتجاج شعبي في السويداء، على عكس سياسته المتبعة في باقي المحافظات، بهدف تسويق ادعاءاته بـ”حماية الأقليات” أمام المجتمع الدولي.

ولكن الحكومة لم تستطع إخفاء وحشيتها تجاه حالة الحياد التي فرضها أهالي السويداء، إذ دبّرت المخابرات العسكرية، أو ما يعرف بـ”الأمن العسكري” بقيادة العميد وفيق ناصر، عملية اغتيال الشيخ وحيد البلعوس، قائد حركة رجال الكرامة، في أيلول/سبتمبر 2015، الذي وقف أمام ممارسات أجهزة الدولةوانتهاكاتها، بحسب ما ذكر مصدر مقرب من حركة رجال الكرامة لـ”ماري”.

وعلى خلفية اغتيال الشيخ البلعوس، دارت اشتباكات مسلحة بين أنصاره وعناصر المخابرات في السويداء، انتهت بوقف الدولة عن تنفيذ أي مداهمات واعتقالات، بما في ذلك ضد المطلوبين بقضايا جنائية، لتتراجع سطوة حواجزه وفروعه الأمنية من جهة، وتتزايد شكاوى السكان، لا سيما أن الدولة “قايضت رفض أهالي السويداء للخدمة العسكرية بالفلتان الأمني، وأطلق يد الفصائل الموالية لها في المحافظة، واكتفت الأجهزة الأمنية بحماية مباني مؤسسات الدولة فقط” وفق المصدر المقرب من “رجال الكرامة”.

ارتباط “الأمن” بعصابات الخطف

كشف قيادي في أحد الفصائل المحلية في بلدة المزرعة بريف السويداء عن وجود علاقة بين عصابات الخطف وضباط في أجهزة المخابرات السورية، لا سيما جهاز الأمن العسكري، موضحاً أن متزعمي العصابات حالياً هم أشخاص كانت قد جندتهم الأجهزة الأمنية، في عام 2011، لقمع الاحتجاجات السلمية المعارضة للدولة في المحافظة.

وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، بأن هؤلاء الأشخاص، عملوا لدى عدة فصائل مسلحة في السويداء، كجمعية البستان، والدفاع الوطني، وخاضوا معارك في عدة جبهات بسوريا، قبل أن يعودوا إلى السويداء بعد توقف الدعم المالي عنهم، لافتاً إلى أنهم نظموا أنفسهم في مجموعات يتراوح عدد المجموعة بين 20 و 30 عنصر، يعتمدون في تمويل مجموعتهم على التهريب وسرقة السيارات والخطف.

وأكد القيادي أن عناصر مجموعات الخطف يرتبطون بعلاقات مع ضباط المخابرات، متهماً مساعداً في فرع الأمن العسكري بالسويداء، وهو المدعو ماهر حيدر، بالعمل كوسيط بين ضباط الفرع وعصابات الخطف في شهبا ومجادل وعريقة.

ويقوم حيدر بالوساطة منذ تولي العميد وفيق ناصر قيادة الفرع وحتى بعد تولي العميد لؤي العلي رئاسة فرع الأمن العسكري في السويداء، بحسب المصدر، لافتاً إلى أن حيدر يتفاوض مع زعماء العصابات مثل ثائر شلغين في مجادل وريان أبو زين الدين في عريقة وعلاء الحرفوش في شهبا، ويحصل على نسبة مالية تصل إلى 40 بالمئة من فدية كل مخطوف تفرج عنه العصابات.

مقابل ذلك، فإن الفصائل المحلية في السويداء لا تملك الإمكانيات اللوجستية، والدعم المطلوب لمكافحة الخطف والتهريب، بحسب القيادي، إذ لا تزيد قدرة تلك الفصائل عن حماية أي اعتداء خارجي أو ردع ممارسات الأجهزة الأمنية في الاعتقالات التعسفية والسوق الإجباري للخدمة، مشيراً إلى أن عناصر الفصائل المحلية لا يحصلون على رواتب شهرية خلافاً لعناصر الفصائل الموالية.

إضافة إلى ذلك، فإن القيادي من بلدة المزرعة، يخشى من أن تدخل الفصائل في هذا الملف قد يجر المحافظة إلى حرب أهلية، نظراً لعدم وجود إجماع محلي على تفويض الفصائل بالقبض على الخارجين عن القانون، وكذلك ما قد يصدر عن عائلات أفراد العصابات من ردود أفعال، وفوق ذلك عدم وجود سجون أو أجهزة قضائية مختصة لدى الفصائل المحلية.

ورغم أن مسؤولية حفظ الأمن في السويداء تقع على عاتق الدولة وأجهزتها الأمنية، إلا أنها تتخذ من حالة الفلتان ذريعة لإمكانية تدخله في المستقبل من أجل السيطرة على المحافظة بشكل كامل، بحسب القيادي، مستدلاً على ذلك بالتسويات الأمنية التي يجريها النظام بين الحين والأخر لأفراد العصابات، كان آخرها في شهر أيلول/سبتمبر 2019 الماضي عندما شرع نزيه جربوع زعيم فصيل حماة الديار الموالية بإجراء التسويات خصوصاً في بلدة عريقة ومدينة شهبا.

دور رجال الجبل “الدروز” 

وعن دور وجهاء ومشايخ المجتمع الدرزي قال رجل دين مقرب من دار الطائفة في مقام عين الزمان بالسويداء، أن مشيخة العقل لعبت دوراً استثنائياً في الحد من المشكلات الناجمة عن غياب القانون وأجهزة “الدولة”، موضحاً أن شيخ عقل الطائفة يوسف جربوع شكل منذ عدة سنوات “لجنة حل النزاعات”، تتألف من وجهاء ورجال دين، تعمل بنظام قضائي عشائري وتحظى بتوافق بين أوساط المجتمع.

وتمكنت اللجنة من فض مئات النزاعات بين أفراد المجتمع، كما عقدت الصلح بين المتخاصمين وأسهمت في حل الخلافات المادية وغيرها، بحسب المصدر، لافتاً إلى أن دار الطائفة أصدرت عدة بيانات ووزعتها على المجالس الدينية في عموم المحافظة، تحرم التعامل مع المتهمين بجرائم الخطف والسلب والمخدرات وتدعو عائلاتهم للتبرؤ منهم، كما دعت دار الطائفة من خلال بياناتها أجهزة الدولة لأخذ دورها في هذه المسألة التي يصعب على المجتمع المحلي مكافحتها، لكن الدولة لا تزال تأخذ موقف المتفرج حسب تعبيره.

فيما يقتصر دور لجنة المصالحة الوطنية التابعة للحكومة على عمليات التفاوض مع العصابات، بهدف إطلاق سراح المخطوفين، بحسب ما ذكر عضو من اللجنة لـ”ماري”، موضحاً أن معظم المفاوضات تجري بسرية مع أشخاص مجهولين لا يعرّفون عن أنفسهم، وحتى إن كان التفاوض مع أشخاص معروفين لا تملك اللجنة إلا التفاوض والوساطة، وتنتهي القصة بدفع فدية مالية.

زين الحلبي

زين الحلبي صحفي سوري من محافظة السويداء، درس الصحافة والإعلام في جامعة دمشق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى