عمّان – لم يعلم محمّد ابن مدينة درعا، أن ينتهي به المطاف ليدرس في إحدى الخيم، في مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن، وهو الذي كان يحلم بالدراسة في جامعة دمشق واحدة من “أعرق جامعات المنطقة”.
محمّد الذي انتسب مؤخراً لجامعة محليّة في تخصص معلّم صف، عبر برنامج منح دراسية من الإتحاد الأوروبي في الأردن، حسبما أوضح لـ”ماري”، يعاني الأمرّين في الّلحاق بمساقاته الجامعيّة عقب قرار الحكومة الأردنيّة إغلاق الجامعات في البلاد، وإطلاقها خطة للتعلم إلكترونياً من المنازل، عبر إنشاء المنصات التدريسية، وبث الدروس التعليمية عبر التلفاز، كإجراء احترازي للوقاية من فيروس كورونا الذي يضرب العالم.
تعليم الكتروني غير مخصص لـ”المخيمات”!
لمحمد تجربة سيئة الطالع مع هذا النوع من التعلم، فبعد تميّزه في دراسته الجامعية، أصبح جُلّ حلمه أن يجتاز هذا الفصل بأقل الخسائر، فعندما تحول التعليم إلى شكله الجديد لم يستطع متابعة جميع المحاضرات، بالإضافة إلى مواجهته “صعوبة في رفع الواجبات والمشاريع” إلى المنصّات الإلكترونية؛ بسبب ضعف الإنترنت، حيث أنّه حاول عدّة مرات طلب الاتصال بشبكة “الواي فاي” الخاصة بالأصدقاء والجيران لحل مسألة الإنترنت، ليقدّم البعض منهم المساعدة والبعض رفض.
وهو ما دفع محمد أن “يهمل” دراسته بعض الشيء، مضيفاً “لم أعد أفتح كتاباً، ولم أحفظ صفحة منذ أن بدأت آلية التعلم عن بعد عملها”، وذلك “بسبب طبيعة المحاضرات غير الواضحة”، بالإضافة إلى” حالتي النفسية المتعبة [جرّاء] الخوف من مهاجمة الفيروس للمخيم”.
وبحسب خطة وزارة التعليم العالي الأردنية، فإنّ “تقييم الطلبة يعتمد على جهودهم” خلال فترة التعلم عن بعد، لترصد الجامعات لهذه المرحلة نصف علامة المساق، مما يضع على الطالب مسؤولية تحقيق متطلبات هذه المرحلة للنجاح، لكنّ دراسة “محمد” محفوفة بالمتاعب، فجودة الإنترنت في المخيم “لا تسعفني”، كما أنّ “بطء” الإنترنت يجعل متابعة المحاضرات، من الثامنة صباحاً حتى الرابعة مساءً، “أمراً مستحيلاً”، إضافة إلى “عدم القدرة على تجديد اشتراك الإنترنت عند انتهائه ثلاث مرات شهرياً”.
هاتف ذكي واحد لخمسة طلاب
وفي مخيم الأزرق للاجئين السوريين، الذي لا يبعد سوى ثمانين كيلومتراً عن “مخيم الزعتري”، لا يختلف الوضع كثيراً، بل توحّد المخيمان بالألم، إذ يحاول سامر وأخواته البنات الأربع، والذين لا يملكون في منزلهم سوى “هاتفاً ذكياً واحداً”، أن يتناوبوا عليه لمتابعة دروسهم، لكنّ الأولوية حسب ما أوضح أنّها “لمن يصحو أولاً”.
وبحسب ما قالت إحدى شقيقاته إنّ “امتحانات عدّة لم نتقدم لها، وذلك لانشغال إخوتي باستخدام الهاتف الذكي إذ إننا خمسة طلاب ندرس بذات الوقت، إنها كارثة”.
إضافة إلى ذلك، تواجه سامر وأخواته مشكلات عدّة تظهر عند الدخول إلى المنصات الإلكترونية التي أطلقتها الحكومة الأردنية مؤخراً، يتمثل أهمها بـ”فشل إدخال الرقم الوطني على النظام”، حتى يتمكن الطالب من الاستفادة من خدمات المنصة، إذ وجد بعض الطلاب نفسه غير مسجّل على النظام الإلكتروني.
وزارة التربية والتعليم توضح سبب الخطأ التقني
قال رئيس قسم الشبكات والحواسيب في إحدى مديريات وزارة التربية والتعليم لـ”ماري”، “أنّ للطلاب المسجلين في الوزارة أرقاماً إلكترونية في قاعدة البيانات، تحوي معلومات كاملة عنهم، ومع بداية أزمة فيروس كورونا، فقد تم اعتماد هذه الأرقام للدخول إلى منصة درسك التعليمية”.
وأرجع المسؤول مشاكل الدخول إلى المنصة أنه “يتمثل بخطوة إدخال رقم الميلاد كرقم سري، وهنا يقع الخطأ لعدم وجود تواريخ محددة وصحيحة لدى اللاجئين” مضيفاً “وربما هناك نوع آخر من المشاكل بسبب الضغط الكبير على الشبكة”.
بدوره، قال المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم الأردنية، وليد الجلاد، أنّ الوزارة عملت على إدخال بيانات كل الطلبة السوريين، داخل المخيمات وخارجها، والذين يبلغ عددهم 145 ألف طالب وطالبة، بالإضافة إلى تأكيد “حرصها” على “أحقيّة” تلقي الطلبة السوريين تعليمهم.
وأضاف الجلّاد أنّ الوزارة مستمرة بالبحث عن حلول، بل إنها أسرعت في إيجاد حلول لتلك المشكلات، عبر تعميم أسماء مجموعة الدعم الفنّي في المنصّات التعليمية، وهم موظفون مخصّصون لمساعدة الطلبة في المشكلات التقنية التي تواجههم، وذلك عبر الاتصال المباشر بالوزارة ومديرياتها.
مفوضيّة اللاجئين اتصالات بالجملة ولا مجيب
قال العديد من الطلبة الذين تحدثت إليهم “ماري”،أنهم اتّصلوا بمكاتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لإخبارها بتلك المشاكل، لتطلب منهم الأخيرة “التواصل مع المدارس” لحل المشاكل.
وقالت رؤى، طالبة في إحدى مدارس عمّان الشرقية، لـ”ماري”، أنّها اتصلت عدّة مرات بأرقام المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين؛ لإعلامهم بمشكلاتها في التعلّم الإلكتروني، لكنّ لم يرد أحد.
أما تجربة أم سعيد مع أولادها الثلاث تختلف قليلاً، فهي “أميّة” لا تعرف القراءة والكتابة، وفي آلية “التعلم عن بعد” يقع على الأهل المسؤولية الأكبر في متابعة دراسة الطفل وقيامه بواجباته الدراسية، وهي غير قادرة على ذلك، كما قالت لـ”ماري”.
وأضافت أم سعيد “أخاف أن يتراجع مستوى تحصيل أولادي ولا ينجحون هذا العام” ما لم تنته هذه الأزمة.
وتعليقاً على المشاكل السابقة التي واجهت الطلبة، قال محمد الحوّاري، الناطق الرسمي باسم مكتب المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، أنّ مشكلات التعليم عن بعد “من اختصاص وزارة التربية والتعليم”، ولا علاقة لمكاتب المفوضية بذلك؛ “لأننا معنيّين بحماية اللاجئين ومساعدتهم ماديّاً”.
وأكد الحوّاري لـ”ماري”، أنّ “المفوضية تبذل قصارى جهدها” لمواصلة تلقّي اللاجئين تعليمهم منذ بداية أزمة كورونا، فعلى سبيل المثال، “قمنا بتمديد ساعات الكهرباء داخل المخيّمات” لأربع عشرة ساعة في اليوم؛ لمتابعة التعليم عبر التلفاز، ولتسهيل ولوج الطلبة إلى شبكة الإنترنت.
وعند طرح مشكلة الإنترنت التي واجهت الطلبة الذين تحدثوا لماري، أكّد الحواري أنّ “شبكة الإنترنت كانت جيدة” عند زيارته الأخيرة للمخيّم، مضيفاً نحن “حريصون على تأمين إنترنت جيد لقاطني المخيّمات [خصوصاً] أننا أول من ساعد في تركيب أبراج إنترنت شركة زين [شركة اتصالات تعمل في الأردن] في المخيم”.
وأشار الحوّاري إلى أهميّة توجيه الأهالي لدفع أبنائهم الطلبة لمتابعة تعليمهم، وذلك عبر إرسال “رسائل توجيهيّة”، مشيراً إلى أنّ ما يحدث الآن هو “أمر مؤقت”.
ويتمنى عمران، ذو الخمس وعشرين سنة، والذي يكمل دراسته الجامعيّة بتخصص الهندسة المدنية، من خيمة عائلته في مخيم الأزرق، أن “تعود الحياة الجامعية إلى سابق عهدها”، معتبراً ذلك “فرصة” للخروج من المخيم.