برلين – قبيل بدء سريان قانون “قيصر” منتصف الشهر الحالي، يسيطر القلق على الفريق الاقتصادي للحكومة السورية، فالقانون عبارة عن عقوبات اقتصادية بحتة تشمل الحكومة السورية والدول الداعمة لها، تزامنا مع تجاوز سعر صرف الدولار الأميركي حاجز 2800 ليرة سورية، لأول مرة في تاريخها.
يأتي ذلك في وقت يعاني فيه الناتج القومي المحلي من انخفاض حاد، إذ انخفض من 61 مليار دولار في 2011 إلى أقل من 10 مليارات دولار في 2019، وذلك وفقاً لتقارير المكتب المركزي للإحصاء في دمشق، كما انخفض حجم الموازنة العامة للدولة من 18 مليار دولار في 2011 إلى 8 مليارات لـ2020. لترتفع بدورها نسبة البطالة من 10% في 2011 إلى ما يقارب 83% في العام الحالي، ونسبة الفقر من 24% إلى 93% مطلع 2020.
تعكس هذه الأرقام حال القطاع الاقتصادي المتداعي، وخروج البنية التحية من الخدمة مع تهدم 27% من الوحدات السكنية للبلاد، وخروج 76% من قدرة سورية الصناعية، وخسارة قطاع الزراعة 25 مليار دولار، أما السياحة فقد خسرت 14 مليار دولار، وكانت خسائر القطاع النفطي هي الأعلى بما يقارب 60 مليار دولار.
الحل في الاتجاه جنوباً
سعت الحكومة السورية إلى إعادة العلاقات التجارية مع الجار الجنوبي الأردن، ومع مطلع 2019 طفا التقارب الأردني السوري على سطح العلاقات بين البلدين شبه المجمدة منذ 2011، ورفعت المملكة الأردنية الهاشمية تمثيلها الدبلوماسي في سوريا بتسميتها دبلوماسي أردني برتبة مستشار كقائم بالأعمال بالإنابة.
وسبق هذه الخطوات الدبلوماسية افتتاح المعبر الحدودي بين البلدين جابر-نصيب، في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2018، بعد إغلاق استمر ثلاثة أعوام، ولهذا المعبر أهمية اقتصادية للبلدين حيث توفر منه الحكومة السورية نحو ثلاثة مليارات دولار سنويا كتجارة ترانزيت.
لكن، بحسب، ما قال كبير المفاوضين في وفد المعارضة السورية إلى اجتماع “جنيف 4” محمد صبرا، في حديث إلى موقع “عنب بلدي” المعارض، فإن أهمية قانون قيصر “تكمن في أنه وضع كل اقتصاد النظام تحت المجهر الأمريكي، بما في ذلك العلاقات التجارية مع دول الجوار”.
وقال صبرا “من غير الممكن لأي شركة أن تدخل في علاقات تجارية الآن مع النظام خوفًا من شمولها بالقانون، بدا ذلك واضحًا قبل أشهر عندما نصح الأمريكيون غرفة التجارة والصناعة في عمان ألا تقدم على خطوات تجارية مشتركة مع النظام”.
إلا أن رئيس غرفة تجارة عمان، خليل الحاج توفيق، نفى في حديثه لـ”ماري” بشكل قطعي كلام صبرا، مؤكداً أن “غرفة تجارة عمان لم تلتقِ أي شخص من السفارة أو الحكومة الأميركية منذ 2019 على الأقل، ولم نتلقَ أي نصائح أو مراسلات بهذا الخصوص”.
وشدد الحاج توفيق بأن “موقف الغرفة واضح، وهو التعامل مع القطاع الخاص السوري”، سيما وأن وفداً من غرفة تجارة دمشق زار عمّان مؤخراً، و”طلب الوفد السوري من نظيره الأردني برد الزيارة إلا أن الظروف الراهنة بسبب تفشي فيروس كورونا حالت دون ذلك”.
واستدرك الحاج توفيق بأن “معلوماتنا تشير إلى أن الملحق التجاري بالسفارة الأميركية في عمان التقى مع رجال أعمال في القطاع الخاص، وليس مع غرفة تجارة عمان”، وتوقع رئيس الغرفة بأن “يستثني قانون قيصر بعض الأنشطة التجارية مثل المساهمة في إعادة إعمار مدارس أو قطاعات معينة” حسب تعبيره.
إلا أن محمد العبدالله، المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة، ومقره واشنطن، كان له رأي مخالف للحاج توفيق، من حيث إمكانية إطلاق مرحلة إعادة إعمار بالوقت الراهن، إذ “تقدر تكلفة إعادة الإعمار نحو 500 مليار دولار، إلا أن إعادة ترميم منازل هنا وهناك بمساعدة من المغتربين بالخارج لا يمكن أن نسميها إعادة إعمار”.
وبحسب العبدالله فإن “العراق وحتى إيران لم يكن بمقدورهم فك كربة النظام بالوقت الراهن، لأن إيران تعاني ضائقة مالية شديدة، ومشكلة اقتصادية تطفو على السطح”.
لبنان الحديقة الخلفية للصيرفة السورية
لطالما شكل لبنان متنفس ومهرب من العقوبات التي فرضت على الحكومة السورية منذ ثمانينات القرن المنصرم، ولعل انعكاسات أزمة لبنان المالية الأخيرة عكست مدى اعتماد الاقتصاد السوري على المصارف اللبنانية، وأدت إلى أضراراً كبيرة بالاقتصاد السوري، وسجلت الليرة السورية وقتها مستويات قياسية منخفضة.
ومن غير الممكن حجب العلاقات التجارية بين البلدين مع وجود أكثر من 136 معبر تهريب بحسب مصادر حكومية لبنانية وهذا ما يفوت على الخزينة اللبنانية نحو 600 مليون دولار كعائدات جمركية، مع تفاوت في سعر السلع والبضائع بين البلدين.
ووفقا للمدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة، فإن “الحكومة اللبنانية أغلقت نحو مئة معبر تهريب بين البلدين، وحاولت إغلاق كافة المعابر”، كون الحكومة اللبنانية “تعاني من ضائقة مالية حادة، ومن غير الممكن انتهاك قانون قيصر خوفاً من تبعات هذا الموضوع”.
واستبعد العبدالله مغامرة حزب الله بمخالفة العقوبات الأميركية، واستجلاب المزيد من العقوبات على لبنان، سيما وأن لبنان يشهد “شبه ثورة جياع” بحسب تعبيره، وبالتالي “أي مغامرة من الحزب [حزب الله] سيفجر الشارع أكثر من الوضع الراهن”.
ومع حساب نسبة الانخفاض التي لحقت بالليرة السورية نتيجة اندلاع أزمة لبنان الاقتصادية في منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فإنها تقدر بنحو 30%، ما يبين عمق اعتماد السوق السورية على الودائع في المصارف اللبنانية والتي تقدر بنحو 50 مليار دولار.
وقالت الصحفية اللبنانية فاطمة العثمان، إن “فروع المصارف اللبنانية العاملة في سوريا استبقت قانون قيصر، بإقفال تلك الأفرع والعودة إلى لبنان، وهذا ما حصل مع بنك لبنان والمهجر”، مستدلة بذلك على أن “المصارف اللبنانية ستنأى بنفسها عن العقوبات، [سيما] وأن مصرف سوريا المركزي مشمول بالعقوبات الدولية”.
وأكدت عثمان في حديثها لـ”ماري” أن “الحكومة اللبنانية تجنبت الحديث المباشر عن قانون قيصر، وعلاقته بالشركات اللبنانية ورجال الأعمال المرتبطين تجارياً بالنظام السوري”.
فيما توقع الناشط السياسي اللبناني عبد القادر عماش، عدم انصياع الحكومة اللبنانية لبنود قانون قيصر المتضمنة وقف التعامل مع الحكومة السورية، لاسيما وأن “الفائدة مزدوجة بين الحكومة السورية وحزب الله في لبنان”.
وحذر عماش في حديثه لـ”ماري” من “الارتدادات السلبية” التي ستطال كل المكونات اللبنانية، التي تختلف مع حزب الله سياسياً، نتيجة لكون “المعابر غير الشرعية تحت سيطرة حزب الله”، ما يعني أنه “سيتم الاعتماد عليها بشكل رئيس للهروب من الرقابة الدولية، وستعود بالريع على الحزب ومواليه على حساب الاقتصاد اللبناني برمته”.
وعاد محمد العبدالله ليؤكد بأن “المصارف اللبنانية لن تجرؤ على مخالفة العقوبات الأميركية كما حصل من قبل من خلال فتح حسابات مصرفية لأشخاص معاقبين دولياً”، بحسب ما كشفته وثائق بنما مثل إيهاب ورامي ومحمد مخلوف، الذين كانوا يستخدمون أشخاص وكلاء كواجهة لهم. مرجعاً ذلك إلى أن “العقوبات ستردع هذه المصارف من اتخاذ خطوات مشبوهة”.
وختم العبد الله “الولايات المتحدة لن تنظر إلى لبنان بطريقة أفضل من نظرتها إلى الإمارات العربية المتحدة التي تعتبر حليف قوي لأميركا، ورغم ذلك تم تجميد أرصدة سامر فوز في دبي”.