عمّان – تعتبر الدراما التلفزيونية مرآة تعكس ثقافة صانعيها والقائمين عليها، وشكلت الدراما السّورية حالة مميزة نافست رائدة هذا الفن في العالم العربي، ونقصد هنا الدراما المصرية، خلال السنوات الأخيرة التي سبقت الاحتجاجات الشعبية في آذار/مارس 2011.
إذ تمكنت من تعريف العالم العربي باللهجات السورية حتى امتلك المشاهد العربي القدرة على تمييز اللهجة الشامية عن الحلبية، وعرّفت بالثقافة السورية من تاريخ قديم ومعاصر وصولا إلى المطبخ السوري، وهو ما عجزت عنه الملحقية الثقافية للسفارات السورية حول العالم.
الفوضى وسوء التخطيط السمة الأبرز
ينظر البعض إلى الدراما كوسيلة ترفيهية للتسلية لا أكثر، في حين يراها البعض أنّها طريق للمعرفة وفهم الطبيعة البشرية، ما يعني تعدّد الأهداف حسب قراءة كلّ متفرّج، لكن قلّة من يدركون أّنّها صناعة، يقوم مجموعة من القائمين عليها بصناعتها وتنفيذها وترويجها والاستفادة من نتاجها على الصعيد المادي.
وانطلاقاً من اعتبار الدراما صناعة، فـ”إنها حتماً كأيّ مشروع تجاري يحتاج للتخطيط السليم لإنتاجه، وإلى استراتيجيّة واضحة تُرسم قبل بدء التنفيذ”، كما يرى الفنّان السّوري عبد المنعم عمايري، معتبراً في حديثه لـ”ماري”، أن التخطيط السليم والاستراتيجية الواضحة “يساهمان في تحقيق أفضل النتائج في نهاية المطاف”.
وتعاني الدراما السورية من “ضعف الميزانية”، الذي أدى بدوره إلى “ضعف العمل [الدرامي]، وهو ما رأيناه هذا الموسم من تدهور”، إضافة إلى “ضعف التخطيط المسبق”، بحسب عمايري، فمن يقرأ الواقع الدرامي في سوريا، يصبح قادراً على كشف الغطاء عن العملية التخطيطيّة التي تسبق صناعة الأعمال، والتي تفتقد إلى “استراتيجية ناجحة لإنقاذ الدراما”.
وتمثل ضعف التخطيط بـ”عدم رسم خطط بديلة عند حدوث أي عارض”، وهو ما ظهر جلياً في ظل أزمة كورونا، التي تسببت في تأجيل تصوير الأعمال الفنية التلفزيونية في سوريا، ووفقاً لعمايري فإن هذه المشكلات أشبه بـ”السرطان، الذي يجب استئصاله لا تسكينه”.
كورونا والدراما
أزمات عديدة توالت على صناعة الدراما السورية، كأزمة “المقاطعة” التي طالت المسلسلات بين عامي 2006-2007 من القنوات العربية لاسيما الخليجية منها لأسباب سياسية، تبعها أزمة “الدراما المشتركة”، التي أضعفت الأعمال بسبب استبدال النجوم السوريين بآخرين عرب كشرط أساسي للإنتاج، بالإضافة إلى “هجرة النجوم” من سوريا، وتغيّبهم عن الساحة الفنية منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في آذار/مارس 2011.
وواجهت الدراما السورية هذا العام أزمة جديدة لم تتعامل مع مثلها مسبقاً، وهي “أزمة كورونا” التي أجبرت أعمالاً عديدة على تغيير خريطتها الإنتاجيّة لتغيّبها عن السباق الرمضاني، وذلك عقب اضطرارها إلى إيقاف عمليات التصوير في عدّة دول بسبب تفشي وباء كورونا، ومن هذه الأعمال: “الهيبة 4” و “أسود فاتح” و “2020” و “شارع شيكاغو”، وأعمال كثيرة لم تستطع اللّحاق بركب الأعمال التي تمكنت من استئناف عمليات التصوير والانتهاء منها، لأجل بثها في رمضان الماضي.
ما تسبب في أن يكون هذا الموسم “أسوأ موسم في تاريخ الدراما السورية”، حسب ما ذكر المخرج السوري زهير قنوع، الذي لم ينجز أيّة أعمال فنية هذا العام، بحسب ما قال لـ”ماري”.
لنكون أمام موسم دراميّ لا يرقى لأن يُقارن بما أنتج سابقاً، ليصبح هذا العام أدنى ما قدّمته الدراما في مشوار سمته المطبّات، مطبّات قد تلقّن صنّاعها من كتّاب ومخرجين وممثلين وكوادر دروساً في التخطيط، للابتعاد مستقبلاً عن “الحُفر” التي سقط فيها العديد منهم هذا العام.
إلا أن الكاتب السوري ممدوح حمادة، أكد في حديثه لـ”ماري”، أنّ “الضعف في التخطيط للدراما كائن في فترات ما قبل أزمة كورونا”، وهو ما أكده أيضاً الفنّان عبد المنعم عمايري.
وقال عمايري أن “الدراما السورية الآن في أسوأ حالاتها منذ نشأتها في ستينيات القرن الماضي”، وذلك لأسباب عديدة تتمثّل في عدم رصد ميزانيّة حقيقيّة للأعمال، تكون كافية “لتهيئة الظروف” لعمل سويّ، إضافة إلى “افتقار التعامل مع نجوم مهمّين” يرفعون من مستوى الأعمال أدائيّاً، مستدلاً على ذلك بمسلسل “سوق الحرير” الذي أنتجته هذا العام مجموعة “mbc” السعودية، معتبراً إياه مثالاً على “ارتباط جودة العمل بجودة الإنتاج”.
النص الدرامي بين الاسترخاص والسطو إلى تقييد الحريّة
يعتبر السيناريو (النص) بمثابة العمود الفقري الذي يشدّ وثاق العمل التلفزيوني، ويحميه من الهفوات التي يمكن أن تسقطه، لكن حين يتعرض النّص نفسه لبعض الأزمات نصبح أمام مستنقع كبير من الضعف قد يوقع العمل ككل، وهو ما يؤكده ممدوح حمادة، بأن “النص أهم عنصر في صناعة العمل“.
وأكدت الفنانة السورية، قمر خلف، التي بدأت مشوارها الفني منذ حوالي عشرين عاماً، على مكانة النص في عملية صناعة الدراما، وكشفت خلف في حديثها لـ”ماري” أن انقطاعها عن المشاركة خلال السنوات الماضية “مرتبط بغياب النص الجيّد”، مشيره إلى أنّها فضّلت “البقاء مع الأولاد في المنزل” على العمل بنص “غير متقن”.
ووفقاً للكاتب ممدوح حمادة، فإنّ “النّص [الدرامي] يعاني من مسألة الاسترخاص التي يقودها أصحاب رؤوس الأموال”، الذين يفضلون التعاون مع النص ذي السعر الأرخص بعيداً عن الانتقاء الجيّد، “لغايات الربح السريع”.
وأضاف حمادة، “أرى أنّ الكتّاب أمام أزمة تقييد الحريّات”، مؤكداً أنّ “أصحاب شركات الإنتاج يقومون بالإملاء علينا ككتّاب بعدم التطرّق لموضوعات معيّنة”، كاشفاً لـ”ماري” “لقد تعرّضت لهذه المطالبات عند كتابة إحدى لوحات السلسلة الشهيرة بقعة ضوء”.
وبحسب حمادة فإنّه “قد يُطلب العكس من الكتّاب، مثل إضافة أفكار يبغونها [أصحاب شركات الإنتاج]”، ممّا يخيّم على الّنص الجيّد حسب رأيه، “حالة من التضييق”، وبالتالي فإنّ هذا الأسلوب يعني “بصراحة تامّة تقييد إبداع الكاتب”، ما نتج عنه ظهور طبقة من الكتّاب الجدد “دون الوسط”، كانوا “قد خضعوا لتلك الشروط”، التي قادت لظهور ما يسمّى “بأزمة النّص”.
تسويق رديء
يحتاج كل منتج بصري إلى سوق إعلامية لعرضه، والترويج له، من أجل المنافسة، وليكون بذلك قادراً على استقطاب الفضائيات التلفزيونية. لكن، عندما تفتقر صناعة هذا المنتج إلى سوق إعلامية محلية تمتلك أدوات ناجحة، فإننا نكون أمام كارثة حقيقية.
ووفقاً للكاتب حمادة، “إنني متأكد من أن الدراما السورية ينقصها سوق إعلامية لتصريف أعمالها”، إذ أن وجود هذه السوق “سوف ينعش المجال الدرامي خاصة، والفني عامة بكل أشكاله”.
إضافة إلى ذلك، تفتقد الدراما السورية إلى وجود فضائيات سورية محلية بشكل كافي من شأنها أن تصرّف أعمالها وتروجّها عربيّاً، وهو ما اضطرّها في كثير من الأوقات للخضوع إلى شروط الفضائيات العربية، والقبول بأسعار بيع لا تتناسب مع الجهد المبذول، ممّا جعل صنّاع الدراما السورية يميلون إلى إنتاج أعمالاً فنية تتوافق مع أفكار قنوات العرض، حتى وإن لم تكن متبنّاة من قبلهم، وهو ما ساهم في ظهور أعمال لا تعبّر عن الشارع وهمومه.
**
هذا التقرير هو جزء من ملف خاص لـ”ماري” عن الفن والأدب السوري.
اقرأ: