حكاية

المائدة الدمشقية تفقد “الشاكرية” مع هبوط الليرة وجنون الأسعار

عمّان – تفقد العائلات الدمشقية طبختها الأولى والمفضلة، “الشاكرية”، في ظل تدهور الليرة السورية وارتفاع الأسعار مقارنة بتدني الرواتب والأجور، إذ بلغ سعر صرف الليرة هذا الأسبوع 1045 ليرة للدولار الأمريكي الواحد.

و”الشاكرية” طبخة دمشقية “فاخرة” مكونة من الأرز واللبن واللحم، جاءت تسميتها من “شكر النعمة” وفقاً لما يقول بعض سكان دمشق، وكانت العائلات الدمشقية تُحضر هذه الطبخة بما لا يقل عن مرتين شهرياً، كما تحرص على إعدادها في أول أيام عيدي الفطر والأضحى.

طبق من الشاكرية في منزل عائلة سورية لاجئة في الأردن. تصوير: إياد مظهر، شباط/فبراير 2020.

“كنا نقول بيضناها”

ترافقت الشاكرية مع “الأعياد والأفراح والخير وكانت طبختنا الأساسية في عيد المولد النبوي الشريف” و “كنا نقول بيضناها” في إشارة إلى اللون الأبيض الموجود في اللبن الساخن إحدى مكونات الطبخة، والذي يرمز “للفرح” وفقاً لما قالت أم مروان، سيدة دمشقية تعمل ضمن مطبخ منزلي في دمشق، يبيع المأكولات الدمشقية والحلويات للشركات والأفراد.

أما اليوم مع استمرار التدهور الاقتصادي وتردي الأوضاع المعيشية، أصبحت الشاكرية “حلماً” للكثير من العائلات الدمشقية، فمنذ عامين لم يتسنَ لعائلة أم مروان تحضير الشاكرية نظراً لغلاء مكوناتها، ومحدودية دخل العائلة.

إذ تعمل أم مروان، المعيل الوحيد لأسرتها بمرتب شهري 23,400 ليرة (22$)بينما تبلغ تكلفة وجبة شاكرية لخمسة أشخاص 18,500 ليرة (18$)، وفي المطبخ الذي تعمل فيه، يبلغ سعر الوجبة ذاتها 25 ألف ليرة (24$).

حيث تشهد أسواق العاصمة دمشق ارتفاعاً مستمراً في أسعار اللحوم والدجاج والألبان ومشتقاتها منذ شهر كانون الأول/يناير 2019، إلا أنه بلغ ذروته في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بعد سلسلة انهيارات حادة في سعر صرف الليرة السورية، إذ وصل سعر كيلو اللحم 9 آلاف ليرة، والدجاج 2900 ليرة، واللبن 290 ليرة.

ورداً على ارتفاع أسعار اللحوم، قال مصدر رسمي سوري لقناة العالم، لم تسمه، أن السبب في هذا الارتفاع هو ارتفاع أسعار علف المواشي ما دفع المربين إلى التخلي عن تربيتها إضافة إلى تأخر البعض في الحصول على المحروقات اللازمة لتدفئة القطعان.

لكن، رئيس جمعية اللحامين في دمشق، أدموند قطيش، قال في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أن استهلاك اللحوم في العاصمة دمشق “تراجع بنسبة 40% منذ عيد الأضحى (آب/ أغسطس) بسبب ارتفاع أسعارها نتيجة عمليات التهريب خارج الحدود”.

لدينا أولويات

باتت العائلات الدمشقية تفكر اليوم “بطريقة مختلفة” عند اختيار طبختها المنزلية، إذ يتوجب عليها “التفكر بثلاثة أشياء: البحث وراء الأقل تكلفة والكمية الأكبر، اختيار طبخة لا تحتاج للكثير من الغاز أو الوقود في ظل صعوبة تأمين الغاز وارتفاع سعره، واختيار أصناف لا تفسد سريعاً نتيجة تقنين التيار الكهربائي” وفقاً لما قالت أم مروان. 

نحن نعيش في وقت يجبرنا على التفكير في الأولويات؛ فمع دخول الشتاء أول ما نحتاجه الوقود لتجنب آلام الشتاء خاصة بوجود أطفال داخل المنزل، أما الطعام فهو المرحلة الثانية

وسط هذا التناقض في حياة أم مروان التي تعد الكثير من الأطباق والوجبات التي لا تستطيع تأمينها في منزلها، لم تعد “الطبخة” (إعداد وجبة الطعام) من أساسيات المنزل بالنسبة لها، إذ تقوم أم مروان بإعداد طبقين فقط أسبوعياً، يقتصران على الخضراوات وغيرها من الأصناف البسيطة.

لكن، مع دخول فصل الشتاء أصبح طعام العائلة يقتصر على الألبان والأجبان والمعلبات “وكل مايجنبنا استهلاك وقود ومواد غذائية مرتفعة الثمن” بحسب أم مروان.

إذ وفقاً لتقرير أعدته صحيفة قاسيون، سجلت تكاليف المعيشة من الحاجات الأساسية في دمشق رقماً قياسياً خلال الربع الثالث من عام 2019، ليبلغ 359 ألف ليرة سورية (344$) شهرياً للأسرة المكونة من 5 أشخاص.

العيش على ذكرى

تستذكر أم مروان الأيام الماضية قبل الحرب، حينما كانت وجيرانها يسكبون الأطباق ويضيّفونها لبعضهم “من غير مناسبات”، مضيفة “نحن نفتقد للبركة. تلك الأيام كانت أكثر رحمة، كانت السكبة (وجبة الطعام التي تهديها لجيرانك أو أقاربك) تكفي لعائلة أو أكثر”.

 أما اليوم لقد غابت هذه العادات عن كثير من حارات دمشق، بعد أن أصبح تأمين وجبة طعام العائلة، وشراء حاجيات المنزل أكثر صعوبة، وهو ما يدفع أم مروان لأن تقوم بشراء حاجيات المنزل “بكميات قليلة وعبوات صغيرة”.

حكاية أم مروان ليست الأولى أو الأخيرة، هي قصة تعكس حال آلاف العائلات السورية التي أنهكتها الحرب الدائرة في البلاد منذ تسع سنوات. إذ بحسب تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، نشر في آذار/مارس 2019، فإن 80% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى