التطور التاريخي والتأثيرات الاقتصادية والسياسية في ضوء قانون قيصر وتعديلاته

ملخص تنفيذي : تشهد الساحة السورية منذ مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين واحدة من أكثر المراحل تعقيدًا في تاريخها السياسي والاقتصادي الحديث، حيث تداخلت تداعيات الحرب الداخلية الطويلة التي بدأها النظام السوري بعد اندلاع الثورة السورية مع ضغوط خارجية متعددة المستويات، في مقدمتها منظومة العقوبات الأميركية التي تحوّلت من أدوات ضغط سياسية محدودة إلى شبكة متكاملة من القيود الاقتصادية والمالية والدبلوماسية. وقد أسهمت هذه العقوبات في إعادة تشكيل البنية الاقتصادية للدولة السورية، وتوجيه مسار علاقاتها الإقليمية والدولية، بحيث لم تقتصر آثارها على النظام السياسي السابق فحسب، بل امتدت إلى المجتمع السوري ومؤسساته الاقتصادية والخدمية على حد سواء.

فمنذ إدراج سوريا على قائمة “الدول الراعية للإرهاب” عام 1979، خضعت الدولة لسلسلة من العقوبات التي اتخذت في بدايتها طابعًا سياسيًا رمزيًا، قبل أن تتوسع تدريجيًا لتشمل قطاعات النفط والطاقة والمصارف والطيران والتجارة الخارجية، وصولًا إلى ما عُرف بـ قانون قيصر لعام 2019، الذي مثّل الذروة في التصعيد التشريعي الأميركي ضد النظام السوري في عهد الرئيس بشار الأسد. ومع دخول هذا القانون حيّز التنفيذ عام 2020، انتقلت واشنطن من سياسة الضغط السياسي إلى سياسة الخنق الاقتصادي الشامل، عبر استهداف مؤسسات الدولة وشبكات الدعم الخارجية، وهو ما أثار جدلاً واسعًا حول مدى قانونية هذه العقوبات وحدودها الإنسانية وفعاليتها في تحقيق أهدافها المعلنة المتمثلة في “محاسبة النظام على جرائم الحرب”.

غير أنّ التطورات اللاحقة بعد سقوط النظام السابق مطلع عام 2025، وبروز الدولة السورية الجديدة بقيادة حكومة انتقالية في دمشق، مثّلت منعطفًا حاسمًا في مسار العقوبات الأميركية. فقد شهدت تلك المرحلة مراجعة شاملة للسياسة الأميركية تجاه الملف السوري، توّجت بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تفعيل الإعفاءات المنصوص عليها في قانون قيصر وإصدار الترخيص العام رقم (25) في مايو 2025، بما سمح بتخفيف مؤقت للعقوبات الثانوية وإعادة فتح قنوات محدودة للتعامل التجاري والإنساني. هذا القرار مثّل بداية تحوّل استراتيجي من سياسة العزل الكامل إلى الانفتاح المشروط، وفتح الباب أمام إعادة دمج سوريا تدريجيًا في النظامين العربي والدولي.

تزداد أهمية هذا البحث بالنظر إلى أن دراسة العقوبات الأميركية على سوريا لا يمكن فصلها عن الإطار الأوسع للعلاقات الأميركية–الشرق أوسطية، ولا عن البعد القانوني والسياسي للعقوبات الاقتصادية كأداة في السياسة الخارجية. فكما مثّلت العقوبات وسيلة ضغط على دول مثل إيران والعراق وكوبا، فإن تطبيقها على سوريا، وسط حرب داخلية وانهيار اقتصادي شامل، جعل من التجربة السورية نموذجًا معقدًا في التفاعل بين العقوبات والانتقال السياسي. ومن ثمّ، فإن تحليل تطورها التاريخي، وأبعادها القانونية، وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية، يتيح فهمًا أعمق للتحولات الجارية في السياسة الأميركية وفي مستقبل الاقتصاد السوري بعد عام 2025.

في هذا الإطار يطرح البحث سؤالَه المركزي:

إلى أي مدى أسهمت العقوبات الأميركية، ولا سيما قانون قيصر وتعديلاته، في إعادة تشكيل الاقتصاد السوري وتغيير موازين القوى داخل الدولة والمجتمع؟

ومن هذا السؤال تتفرع تساؤلات فرعية:

يهدف هذا البحث إلى تحليل التطور التاريخي والسياسي للعقوبات الأميركية على سوريا، وبيان أثرها الاقتصادي والاجتماعي في مرحلتين أساسيتين: مرحلة النظام السابق ومرحلة الدولة الجديدة، مع التركيز على قانون قيصر باعتباره نقطة التحول الأبرز في العلاقات بين دمشق وواشنطن. كما يسعى إلى استشراف آفاق تعديل العقوبات أو رفعها الكامل، وتحديد العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في صنع القرار الأميركي بهذا الشأن، فضلًا عن تقييم التداعيات الواقعية لهذه السياسات على الاقتصاد السوري وفرص إعادة الإعمار.

لمتابعة الدراسة يرجى الضغط هنا

العقوبات الأمريكية على سوريا.docx

Exit mobile version