درعا – مشهد الاغتيالات الذي أصبح حدثاً اعتيادياً في محافظة درعا جنوب سوريا، لم يستثن أحداً في المنطقة، إذ طالت الاغتيالات شخصيات مدنية وعسكرية محسوبة على الحكومة السورية والمعارضة، كذلك أشخاصاً محسوبين على إيران وحزب الله اللبناني، وكذلك روسيا.
ولم يغب مشهد الفلتان الأمني والاغتيالات اليومية عن محافظة درعا جنوب سوريا منذ سيطرة دمشق على المنطقة بموجب اتفاق “التسوية” (المصالحة) الموقع بين فصائل المعارضة ودمشق بضمانة روسية في تموز/يوليو 2018، والذي هدف لتثبيت الأمن والاستقرار في جنوب سوريا. طيلة هذه الفترة تجلى التنافس الروسي-الإيراني في كسب ولاء أبناء المنطقة، ما أفرز تدهوراً في الأوضاع الأمنية، تالياً نشطت الاغتيالات هناك.
أرقام مرعبة
في 1 شباط/فبراير الجاري، اغتال مجهولون الطبيب محمد عبد الرحيم البردان، بإطلاق إطلاق النار عليه أمام عيادته، وكذلك، اغتال آخرون الشاب غريب المصري، فلسطيني الجنسية من بلدة الشجرة بعد استهدافه بطلق ناري، والمصري كان عنصراً سابقاً في إحدى فصائل المعارضة بدرعا. فيما نجا القيادي السابق في جيش اليرموك التابع للمعارضة، وليد الرفاعي، من محاولة اغتيال في بلدة أم ولد بريف درعا الشرقي.
وقبل ذلك، وثق “تجمع أحرار حوران”، مؤسسة إعلامية محلية “10 محاولات اغتيال بحق شخصيات مدنية وعسكرية موالية ومعارضة للحكومة، بعضهم تابعين للميليشيات الحكومة، وكذلك 7 حالات خطف، في شهر كانون الثاني/يناير الماضي” كما قال أبو محمود الحوراني، المسؤول الإعلامي في التجمع لـ”ماري”.
فيما سجّل عام 2019 نحو 305 عملية ومحاولة اغتيال، أودت بحياة 168 شخصاً، وإصابة 100 آخرين بجروح، فيما نجا 26 شخصاً، بحسب أرقام حصلت عليها “ماري” صادرة عن مكتب توثيق الشهداء في درعا، وهي مؤسسة حقوقية محلية.
الاغتيالات تطال المدنيين
دخل المدنيون في أتون الفوضى الأمنية جنوب سوريا، وخصوصاً الذين رفضوا الانضمام إلى أي تشكيل عسكري، كما حدث مع الشاب إبراهيم الجهماني، من بلدة صيدا شرق درعا، إذ اخترقت 15 رصاصة جسد الشاب الذي كان شاهد على مقتل الطفل حمزة الخطيب، وهو من أوائل ضحايا التعذيب على يد الحكومة السورية، الذي ذاعت قصته على وسائل إعلام محلية وعالمية في أعقاب اندلاع الثورة السورية عام 2011.
وفي تعليق على الحادثة لـ”ماري”، عزا المحامي ثامر الجهماني مقتل ابن أخيه إبراهيم “لأنه كان الشاهد الأكثر حضوراً على القنوات العربية للحديث عن الجريمة الأبشع بحق الطفولة، الأمر الذي دفع قوات النظام إلى ملاحقته والانتقام من عائلته”، إذ كما كشف الجهماني “قتل النظام بسبب شهادة إبراهيم كلاً من والدته وشقيقه وشقيقته قبل أعوام، وانتهى به المطاف هو أيضاً بالموت غدراً أثناء توجهه للمسجد، ليدفع ضريبة شهادته فقدان كل أفراد العائلة”.
وأتهم الجهماني رئيس فرع الأمن العسكري العميد لؤي العلي بـ”تدبير معظم حوادث الاغتيال والخطف عبر عملاء مأجورين، وآخرها ما حصل مع الدكتور مأمون محمد الحريري، إثر انفجار عبوة لاصقة على باب عيادته في مدينة بصرالحرير، في 19 كانون الثاني/يناير الماضي أدت إلى إصابته إصابة مباشرة في رأسه وصدره، واغتيال الشاب محمد أبازيد في وخطف الشابين أحمد ومصطفى القطيفان في درعا البلد”.
وامتدت عمليات الاغتيالات والقتل لتطال مدنيين عابرين للحدود السورية-الأردنية، كما حدث مع الشاب عامر صبحي الجباوي (37 عاماً)، من بلدة دير البخت، الذي عثر عليه جثة هامدة بالقرب من أوتستراد درعا، في بلدة خربة غزالة الواقعة بريف المحافظة الشرقي، في مطلع كانون الثاني/يناير الماضي، بعد أن دخل من معبر نصيب الحدودي قادماً من السعودية عبر الأردن. الجباوي هو سادس شخص يختفي “في مناطق خاضعة لسيطرة المخابرات الجوية” بعد عبور الحدود السورية- الأردنية، كما قال الجهماني.
وما يثير الجدل في العمليات ضد المدنيين، أنها تطال أيضاً مواطنين موالين للحكومة، كما قال الجهماني، مستدلاً على ذلك بمحاولة اغتيال ماهر فاعور الخطيب، الذي يعمل سائقاً خاصاً لعضو مجلس الشعب فاروق حمادي، والذي تعرض لمحاولة اغتيال أثناء مروره على الطريق الواصل بين بلدة نمر ومدينة جاسم بريف درعا الغربي، في 23 كانون الأول/ يناير الماضي.
من يدبَّرها ؟
“تتصارع عدة قوى على الأرض، أهمها تيار النظام ممثلاً بالمخابرات الجوية، ومكتب أمن الفرقة الرابعة، وخلايا تنظيم داعش، كذلك اللجان الشعبية” وتنتهج هذه القوى سياسة الاغتيالات “من أجل تصفية الناشطين” كما قال لـ”ماري” أدهم أكراد، القيادي السابق في المعارضة وعضو اللجنة المركزية في درعا، وهي مجموعة مؤلفة من قادة سابقين ووجهاء من مدينة درعا، تشكّلت لإدارة شؤونها منذ سيطرة حكومة دمشق على المحافظة في تموز/ يوليو 2018.
من جانبه، اتهم الباحث والمعارض السياسي السوري، نصر فروان، حزب الله اللبناني والمخابرات الجوية بـ”تدبير معظم الاغتيالات التي تستهدف معارضي النظام”، إضافة إلى اتهام فرع الأمن العسكري في السويداء، الذي يقوده العميد لؤي العلي، بـ”تجنيد قادة سابقين في المعارضة من أمثال: عماد أبو زريق، القيادي السابق في جيش اليرموك، ومصطفى الكسم المسالمة، القيادي السابق في فرقة 18 آذار سابقاً، وفيصل الصبيح، القيادي السابق في ألوية العمري بمنطقة اللجاة، حيث تم تفويضهم لاغتيال أو اعتقال كل من يعارض سياسة النظام في المنطقة تحت مسمى محاربة الإرهاب وضبط الأمن” .
وكشف فروان لـ”ماري” بأن “عمليات حزب الله تعتمد على لائحة بأهم الأسماء المؤثرة ضمن المجتمع المحلي، حيث تركز لائحة الاغتيالات على القياديين العسكريين من بقايا الجيش الحر، وشيوخ العشائر وأصحاب الكلمة المسموعة في مجتمعاتهم، وعلى المثقفين من أطباء ومهندسين” موضحاُ أن “قيادة الحزب في المنطقة تستغل حاجة الجيل الصاعد، والمطلوب للأفرع الأمنية، فتغريهم بالرواتب وتعد بتخليصهم من الملاحقة الأمنية مقابل رصد واستهداف تلك الشخصيات”.
وتأكيداً لتصريحات فروان، اعترف الشاب ممدوح المفعلاني، وهو من أبناء بلدة ناحتة شرق درعا، في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وسط جموع المصلين في صلاة الجمعة، بمسؤوليته عن تجنيده إلى جانب عشرات الشبان من المنطقة من قبل حزب الله اللبناني، بهدف اغتيال شخصيات من أبناء المحافظة مقابل المال، وبرر المفعلاني اعترافاته بأنه يطلب من أبناء بلدته “مسامحته والحذر من الاستهداف”.
وكذلك لعبت الأجهزة الأمنية بالتعاون مع حزب الله دوراً في نشر الفوضى جنوب سوريا، عبر إخلاء سبيل عناصر من تنظيم الدولة “داعش” كانوا مسؤولين عن عمليات التفجير والتفخيخ، إذ بعد خروجهم من السجون تبنى التنظيم بعض العمليات العسكرية في الجنوب، كما قال فروان.
نتيجة لذلك، وبعد تكرار عمليات الاغتيال، حاولت اللجنة المركزية “ترسيخ منطقة آمنة مجتمعياً لكوادرها وعشائرها، وقد خضنا التجربة الأولى في مدينة درعا، إذ توحدت كل العائلات والعشائر، وتآخت فيما بينها ولجأت للقضاء العشائري، وبذلك أغلقت الطريق على الأيادي الخبيثة التي تحاول أن تلعب بملف السلم الأهلي”.
سلاح الاغتيالات
كشف طبيب في أحد المشافي الحكومية لـ”ماري” بأن “معظم عمليات الاغتيال تتم عن طريق التصفية المباشرة، باستخدام كواتم صوت من صناعة أمريكية، أو بنادق كلاشنكوف روسية” لافتاً إلى أنه بحسب تقارير الطب الشرعي في المشافي التي نقل إليها عدد من ضحايا الاغتيالات “كان مقذوف الطلقات التي اخترقت أجسامهم من عيار 5.5 مم، أي أنها اُطلقت من سلاح أمريكي، لذلك تروج وسائل الإعلام الحكومية أن الفاعلين هم من فلول فصائل المعارضة الرافضين المصالحة، ممن تلقوا دعماً أمريكيا خلال فترة سيطرة المعارضة على المنطقة، لتبعد الشبهة عن النظام والمليشيات الداعمة له” .
لذلك، فإن عمليات الاغتيالات التي تنفذها أطراف عدة، وما سبق ذلك من عمليات اعتقال لمئات الشباب في درعا، دون كشف حكومة دمشق عن مصيرهم. فوق ذلك نقض بنود الاتفاق وعدم الإفراج عن المعتقلين، ينبئ بمستقبل أكثر سخونة في درعا خلال العام الحالي.