أطفال مخيمات الشمال السوري: البحث عن الدفء والمال في مكبات النفايات

في صبيحة كل يوم تلتقي الطفلة فاطمة ذات العشرة أعوام عدداً من أقرانها عند أحد مكبات النفايات بالقرب من مدينة سرمدا، في ريف إدلب الشمالي، يقضون ساعات في نبش أكوام النفايات بحثاً عن مواد بلاستيكية وأحذية وملابس بالية، أملاً في العودة بأكياس ممتلئة منها إلى خيامهم في آخر النهار.

المشهد ذاته، يمكن مشاهدته في الشوارع ومكبات النفايات القريبة من مخيمات النازحين في شمال غرب سوريا، إذ ينتشر أطفال دون الخامسة عشرة من أعمارهم، وكذلك بعض النسوة وكبار السن، بهدف جمع النفايات لأغراض التدفئة والطهي أو بيعها والاستفادة من العائد المادي في قضاء احتياجات أخرى للنازحين، كما أفاد مراسل “ماري” في المنطقة، مؤكداً أن الأطفال يعملون من الساعة 9 صباحاً وحتى 3 عصراً من أجل الحصول على عائد يتراوح بين 200 و 500 ليرة سورية [0.20 إلى 0.50 دولار أمريكي]، إذ يبيعون  ما يجمعونه لتجار المنطقة مقابل 100 ليرة سورية للكيلو غرام الواحد.

أما عن فاطمة، يرافقها شقيقها الأصغر في معظم الأحيان إلى مكب النفايات في محيط بلدتي كلي وباتيو بالقرب من مدينة سرمدا، ويعودان في المساء إلى خيمة العائلة مع ما جمعاه من نفايات لاستخدامها “لتنعم العائلة بقليل من الدفء وكثير من الدخان المنبعث من احتراق البلاستيك” كما وصفت أم عموري والدة فاطمة في حديثها لـ”ماري”.

فاطمة التي ترتسم عليها عليها علامات الحزن، من العمل الذي لا يروق لها، كما أصابها استخدامه في التدفئة بسعال تحسسي، مضطرة كما غيرها من الأطفال على هذا النمط من العمل والحياة، للتغلب على ظروف الحياة، لا سيما أن العائلة بلا معيل، إذ اعتقلت الأجهزة الأمنية السورية والدها قبل خمس سنوات، كما قالت أمها لـ”ماري” مبينة أنها تعيش مع 4 أطفال من بينهم فاطمة، وجميعهم “تركوا المدرسة قبل سنوات” بحسب قولها.

تشعر أم عموري بالذنب لتسرب أطفالها من المدارس وعملهم في جمع النفايات، ولكنها تبرر ذلك بأنها عاجزة عن تأمين قوت يومها وأطفالها وكذلك وسائل التدفئة لهم، متسائلة “فما بالكم بمواد التدفئة التي ارتفعت أسعارها”، إذ وصل سعر لتر المازوت إلى ٨٦٠ ليرة سورية (0.78$)، أما الحطب فقد تخطى الكيلو غرام الواحد سعر ١٢٠ ليرة (0.12$)، أما سعر الكيلو غرام من الفحم الحجري وصل إلى ١٠٠ ليرة سورية (0.093$). لذا فإن عمل أولادها في جمع النفايات هو الحل الوحيد من أجل حصولهم على الدفء، كما قالت، مؤكدة لـ”ماري” بأنها تخرج في بعض الأحيان لتجمع النفايات مع أبنائها.

وقدّر محمد جلو، رئيس المجلس المحلي لبلدة قاح شمال إدلب، في حديثه إلى “ماري” عدد الأشخاص الذين يترددون إلى مكب النفايات بالقرب من بلدة قاح في ريف إدلب لوحدها “يتجاوز  ١٠٠ شخص يومياً، غالبيتهم من الأطفال”، وقد حاول المجلس “منع هذه الظاهرة ولكن دون جدوى، لأنها صارت مصدر رزق لكثير من العائلات صيفاً وشتاء” كما قال جلو.

أم عبد الحي تقوم بإحراق الملابس والمواد البلاستيكية من أجل طهي الطعام لأطفالها، تصوير: شام محمد. شباط/فبراير 2020

الأمراض الناتجة عن النفايات
نزحت أم عبد الحي (29 عاماً) مع أطفالها من مدينة معرة النعمان إلى مخيمات أطمة الحدودية، وهي واحدة من الأمهات اللاتي أجبرن على إرسال أولادهن لجمع النفايات من مكبات النفايات القريبة من المنطقة، واستخدامها في التدفئة، كما قالت لـ”ماري”.

ولكن، أطفال أم عبد الحي أصيبوا بـ”اللشمانيا” المعروفة محلياً بـ”حبة السنة” والتي تترك ندوباً جلدية على الأطفال، وتبدو عليهم آثار الربو، نتيجة “استنشاق الروائح المنبعثة من مكبات النفايات، واحتراق البلاستيك الذي نستخدمه في التدفئة”.

وفي هذا السياق، قال الطبيب أنس قراط، أخصائي في أمراض الأطفال: “إن النفايات تؤثر على الصحة المجتمعية بشكل عام، كما أن الوسيط الأكبر لنقل الأمراض هم الأطفال”، موضحاً أن “النفايات تؤثر على الصحة من خلال استنشاق أبخرة حرق النفايات، والتي تُضر بالجهاز التنفسي للأطفال وحتى البالغين، إضافة إلى أن المواد التي يتم جمعها من النفايات بهدف التدفئة يدخل في تركيبها تركيبات كيميائية لا تتناسب مع الاستخدام البشري، حيث ينتج بعد حرقها أبخرة سامة تؤثر على الجهاز العصبي والجهاز التنفسي”. 

لذا فإن “مكبات النفايات تعتبر بيئة خصبة للجراثيم، وناقلاً لها وللفيروسات وللطفيليات من مثل: الذباب، البعوض، والقراد وغيرها، ما يؤدي إلى  الإصابة باللشمانيا والحمى الصفراء والملاريا”، كما قال الطبيب قراط، فوق ذلك “تحتوي النفايات على مخلفات طبية، ويشكّل لمسها خطراً على صحة الأطفال” محذراً كذلك من “خطر انهيار أكوام النفايات، مما قد يؤدي إلى وفاة الموجودين في المكان، كما حصل في أحد مكبات النفايات بالقرب من مدينة إدلب والذي أدى إلى موت ثلاثة أطفال”.

من جهته، حذّر إبراهيم سرميني، مسؤول الحماية في منظمة بنفسج، وهي منظمة إنسانية محلية، في حديثه إلى ماري من أن “عمالة الأطفال أصبحت تنتشر بشكل كبير، يتعرض الطفل فيها لمخاطر وإساءات جسدية ونفسية”، وفي محاولة للحدّ من ظاهرة عمالة الأطفال “تقدم بنفسج كافة الخدمات المتاحة للأطفال، إضافة إلى توزيع مواد تدفئة للنازحين الجدد، ولكن استمرار موجات النزوح وارتفاع أعداد النازحين تفوق طاقة جميع المنظمات”.

أطفال بلا تعليم
تبدي أم عبد الحي أسفها أنها أورثت أولادها “الأمية”، إذ كانت تتطلع إلى تعليم أولادها، ولكنهم كما هي “لا يجيدون القراءة والكتابة، ما يشعرني بالنقص والعجز”، فابنها عبد الحي (9 أعوام) “يعمل في جمع النفايات ولا يعرف شيئاً عن المدرسة”.

يومياً، عند خروجه إلى عمله صباحاً يشاهد عبد الحي الأطفال وهم ذاهبون إلى المدارس، فيما يتوجه رفقة بعض الأطفال إلى مكبات النفايات، وقد “طلبت من أمي أن تعلمني القراءة والكتابة، ولكن هي لا تتقن ذلك، ولا يمكنني الذهاب إلى المدرسة” كما قال عبد الحي لـ”ماري”.

عبد الحي واحد من آلاف الأطفال الذين أجبرتهم الظروف في سوريا، إلى جانب موجات النزوح الأخيرة على ترك مقاعد الدراسة، ووفقاً لأبي حسام، مدير مخيم البشاكم جنوب مدينة سرمدا، فإن “المخيم يضم عشرات الأطفال المتسربين عن التعليم والذين يذهبون كل صباح إلى مكبات النفايات القريبة من المخيم بدلاً من الذهاب إلى مدارسهم، بسبب الفقر، وكون الأطفال يساعدون أهاليهم في تأمين مواد التدفئة” كما قال لـ”ماري”.
يضاف إلى ذلك، ضعف البنية التعليمية في مخيمات النازحين شمال سوريا، كما ذكر فريق منسقو الاستجابة، وهو فريق يعني بالأمور الإنسانية والتوثيقية في شمال غرب سوريا،  في تقرير نشره في أيلول/سبتمبر ٢٠١٩، إذ كما جاء في التقرير من أصل ١١٥٣ مخيماً يضم ١.٢ مليون نسمة في مناطق شمال غرب سوريا، لا يتجاوز عدد المدارس فيها أكثر من ٤٩ مدرسة معظمها لا تلبي الاحتياجات التعليمية.

**

هذا التقرير هو جزء من ملف خاص لـ”ماري” عن قطاع التعليم للأطفال السوريين.

اقرأ أيضاً: الأطفال النازحون يفقدون تعليمهم في شمال غرب سوريا ومبادرات فردية للتعويض

Exit mobile version