درعا – أربعة أشهر على أزمة الغاز المنزلي التي تضرب سوريا عموماً ومحافظة درعا بشكل خاص، رغم محاولة الحكومة السورية تحسين هذا القطاع في شباط/فبراير 2019، من خلال “البطاقة الذكية” التي تضمن حصول كل عائلة بموجب البطاقة على أسطوانة واحدة كل 23 يوماً.
لكن، الحصول على إسطوانة الغاز عبر البطاقة كان غير ممكن بالنسبة لأم سامر، وهي سيدة أربعينية من مدينة جاسم غرب درعا، وهي المعيل الوحيد لخمسة أطفال بعد أن فقدت زوجها خلال الحرب في سوريا.
وكانت آخر أسطوانة تحصل عليها من الموزع المعتمد من قبل الحكومة في الحيّ الذي تسكنه في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، بحسب ما قالت لـ”ماري”.
لذا فإن أم سامر وغيرها من الأهالي أمام خيارين: إما شراء “الغاز الحر” كما يسميه الأهالي، وهي الإسطوانات المتوفرة في السوق السوداء، فيما يتمثل الخيار الآخر بالعودة إلى استخدام الحطب وحرق المواد البلاستيكية والثياب البالية في عملية الطهي والتدفئة، وهو خيار كان يستخدم في المناطق التي منعت عنها الحكومة وسائل الطاقة بعد خروجها عن سيطرتها.
مصدر “الغاز الحر”
من مبدأ المثل القائل “مصائب قوم عند قوم فوائد” وجد الكثير من الناس في بيع المحروقات في السوق السوداء مهنة تعود عليهم بأرباح كبيرة، لا سيما مع شح المحروقات والغاز في منافذ الدولة المعتمدة، وحاجة الناس إليها، التي تزيد في فصل الشتاء.
ويطرح التجار المحروقات والغاز في السوق السوداء، بعد الحصول عليها بعدة طرق، قانونية وغير قانونية، بحسب ما ذكر أبو طارق، لـ”ماري”، وهو أحد تجار المحروقات في ريف درعا.
وأضاف أبو طارق، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لدواع أمنية: “تخصص الحكومة السورية في كل عملية توزيع 10 أسطوانات غاز إضافية لكل معتمد في القطاعات الكبيرة”، وبالتالي فإن مدينة مثل إنخل شمال غرب درعا، والتي تعتمد الحكومة فيها 4 معتمدين شهرياً من أصل 13 “تحصل على 40 إسطوانة إضافية شهرياً، هذه الإسطوانات يطرحها المعتمدون في السوق السوداء بشكل غير مباشر” كما قال.
ولكن كما ذكر أبو طارق، فإن عدد الإسطوانات في السوق السوداء أكثر من العدد الفائض عن المعتمدين، وهو ما يفسر بطرح إسطوانات إضافية بطرق غير قانونية، كاشفاً أن “بعض المعتمدين يبيع جزءاً من مخصصات الأهالي لتجار السوق السوداء. على سبيل المثال المعتمد الذي يستلم 400 أسطوانة يبيع 50 منها، ويخبر أصحابها بأن أسماءهم لم ترد في لائحة استلام المخصصات هذا الشهر، وأن الكمية التي وصلت “لم تكن كافية”.
وكذلك من الطرق غير القانونية، بحسب أبو طارق، “بيع مخصصات المؤسسات الحكومية لتجار السوق السوداء، حيث يقوم مسؤولو البلديات ببيع الاسطوانات المخصصة من الحكومة للاستخدام داخل مبانيها للتجار، وأحياناً يلزمون المعتمدين بتخصيص حصة لهم بحجة الإشراف على عملية التوزيع ومن ثم طرحها للبيع”.
وبدوره، يشتري أبو طارق الإسطوانة من المعتمدين والبلديات بمبلغ 7000 ليرة سورية (7$)، ويبيعها بـ8000 ليرة (8$)، ولكن بعد الطلب المتزايد عليها رفع المعتمدون سعرها إلى 13000 ليرة (13$)، ليقوم ببيعها بـ 14000 ليرة (14$).
وتتم التجارة في السوق السوداء عبر سلسلة من الحلقات، فكل تاجر يشتري ممن هو أكبر منه، بحسب ما قال أبو زهير لـ”ماري”، وهو أحد كبار التجار في غرب درعا، لافتاً إلى أنه عبارة عن حلقة وسط بين التجار، إذ “نحصل على الغاز بكميات كبيرة من تجار أكبر، ولديهم نفوذ في الحكومة، ونقوم ببيعها لتجار أصغر يبيعونها في القرى والبلدات”، كما أننا “نحصل على كميات إضافية من المعتمدين والبلديات” بحسب قوله.
وفي إطار طرح الأسطوانات في السوق السوداء “يتوجب على المعتمدين إبقاء بعضها في مخازنهم ليتم منحها إلى عناصر الأمن والجيش، الذين يطلبون ذلك عنوة” كما قال أبو زهير.
كميات محدودة
أسهم العجز الحكومي في تأمين أسطوانات الغاز لأهالي درعا في تعميق احتياجاتهم، وإطلاق يد تجار السوق السوداء في المحافظة جنوب سوريا.
وبحسب مصدر مطلع من مدينة جاسم، طلب من “ماري” عدم الكشف عن اسمه، أن مدينة جاسم غرب درعا، يبلغ عدد سكانها 60 ألف نسمة، ويفترض أن تبلغ مخصصاتها 10 آلاف أسطوانة، وفقاً للسياسة المعمول بها من الحكومة في توزيع المخصصات، ولكن الكميات التي تتصل إلى المدينة تتراوح شهرياً بين 2500 إلى 3000 أسطوانة، وهو ما يعني أن العائلة ستحصل على أسطوانة كل 3-4 أشهر تقريباً.
وفي ذلك، قال مدير فرع شركة “محروقات” الحكومية في درعا، حسن السعيد، لجريدة “تشرين” الحكومية، في 12 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إن” سبب الأزمة هو نقص توريد الغاز المسال للمحافظة” مشيراً إلى أن “عدد البطاقات الذكية في درعا يبلغ 213 ألف بطاقة، وهذه البطاقات بحاجة إلى 276 ألف أسطوانة شهرياً، بمعدل أسطوانة واحدة لكل بطاقة خلال 23 يوماً، ولكن تم توفير 100 ألف أسطوانة غاز فقط في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
وفيما يصل استهلاك سورية من الغاز المنزلي إلى نحو 1,200 طن يومياً، يبلغ الإنتاج المحلي 500 طن يومياً، ما يعني وجود عجز مقداره 700 طن يومياً، يتوجب على الحكومة تغطيته من خلال الاستيراد، بحسب ما نقلت “وكالة أوقات الشام” الموالية عن مصدر في مؤسسة المحروقات لم تسمه.
وربما تسهم العقوبات الأمريكية على سوريا، بعد إقرار قانون قيصر، في تعميق الأوضاع الإنسانية والمعيشية في سوريا، إذ رغم ترحيب شخصيات معارضة بمصادقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على القرار، حذرت من انعكاس القرار على المدنيين، لا سيما وأن حزمة العقوبات الجديدة تشدد على عمليات التبادل التجاري مع سوريا.
إجراءات حكومية قادمة
قالت وزارة النفط والثروة المعدنية السورية، أنها تعتزم تنفيذ آليات جديدة لتوزيع الغاز المنزلي، موضحة أنها ستطلق ميزة “وين” (way-in) في مطلع شهر شباط/ فبراير الجاري، كذلك ستقوم بإبلاغ المواطن عبر رسالة قصيرة عند توفر مخصصاته من الغاز لدى أقرب معتمد توزيع في منطقته.
وأضافت الوزارة، أنه يمكن للمواطنين تغيير معتمد الغاز المحدد لهم عبر “قناة تلغرام” الخاصة بالوزارة، أو عبر الموقع الإلكتروني الخاص بمشروع البطاقة الذكية، أو عبر خدمة “USSD” على الرقم (*9884#) أو حتى عبر تطبيق “وين”. إضافة إلى خدمات أخرى ستوفرها الوزارة للمواطنين في ذات السياق.
وكما أن هدف رسالة الوزارة إبلاغ المواطنين، فإنها تحدّ من تلاعب المعتمدين في مستحقات المستفيدين، إذ بحسب الوزارة في حال وصلت رسالة للمواطن تفيد بوصول أسطوانة الغاز إلى المركز المعتمد، ورفض الأخير تسليم الأسطوانة، يمكن للمواطن التبليغ إلكترونياً على المعتمد، لتقوم الجهات المسؤولة بتدقيق الحالة وحظر المعتمد وإيقاف عمله في حال ثبوت مخالفته.
ومقابل ذلك، حددت الوزارة مهلة 72 ساعة للمواطن من أجل استلام أسطوانته، تبدأ منذ لحظة وصول الرسالة، وإذا ما انقضت المدة ولم يستلمها عليه الانتظار إلى حين وصول رسالة أخرى، أو يعيد طلب الأسطوانة إلكترونيا ليحصل عليها بشكل فوري.
هذه الإجراءات التي تعتزم الحكومة السورية تنفيذها تأتي في وقت تشهد فيه سوريا أزمة محروقات واسعة، ووفقاً للحكومة فإن هذه الخطوة “تهدف إلى إلغاء مظاهر الازدحام وتبسيط الإجراءات، وتسهيل حصول المواطنين على أسطوانة غاز بشكل ميسر”.
يذكر أن الحكومة السورية فعّلت في شباط/ فبراير 2019 توزيع الغاز عبر البطاقة الذكية في عدد من المحافظات السورية، بمعدل إسطوانة واحدة كل 23 يوم لكل عائلة تملك البطاقة الذكية.