تحليلاتشتات

تداعيات كورونا الاقتصادية تهدد ثلاثة ملايين سوري في تركيا

“العالم قبل فيروس كورونا ليس كما بعده”.

يتداول مراقبون وخبراء في الاقتصاد والسياسة تلك العبارة للدلالة على نظام عالمي جديد يلوح في الأفق،  ستتضح معالمه بمجرد إعلان دول القرار بدء العد التنازلي لانتهاء أزمة فيروس كورونا.

إذ أصدرت “منظمة العمل الدولية” بياناً تحدثت فيه بأننا نعيش أسوأ أزمة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية، وأن ملياري شخص بالقطاع غير المنظم (معظمهم في الاقتصادات الناشئة والنامية) معرضون للخطر بشكل أكبر.

وفتح هذا التحذير الباب لمعرفة تداعيات “كورونا” على اللاجئين السوريين في تركيا، إذ بلغ عدد السوريين المسجلين ضمن نظام الحماية المؤقتة في تركيا 3 مليون و571 ألفاً بحسب مكتب مفوضية اللاجئين في تركيا.

أعلنت تركيا عن أول حالة يوم 11 آذار/ مارس الماضي، ومن ثم ارتفعت الأعداد إلى 42.282 ألف حالة مصابة بفيروس كورونا اليوم الخميس. لكن مقارنةّ بدول العالم ومدى تفاعلها مع جائحة فيروس كورونا، تعتبر تركيا من الدول المبكرة في تنفيذ إجراءات الفحوص ومتابعة حالات العدوى وتطبيق آليات الحجر الصحي ضمن المشافي والمنازل وتخصيص مراكز لاحتواء المشتبه بإصابتهم.

ومع تزايد تسجيل حالات الإصابة اليومية والارتفاع في نسبة الوفيات، اتخذت الحكومة التركية مجموعة من القرارات، من بينها تقليص ساعات العمل اليومية في مؤسساتها إلى حدود 3- 4 ساعات، ثم اتبعتها بتقليص أعداد العاملين ضمن شروط مشددة، كما أوعزت الحكومة إلى أصحاب المؤسسات والشركات الخاصة بالالتزام بإجراءات الصحة العامة وتقديم التسهيلات للعاملين بحيث لا تنعكس تلك الأزمة سلباً على أجورهم الاعتيادية.

وتعاني تركيا من تحدّيات اقتصادية جراء تعارض مواقفها السياسية والعسكرية مع بعض دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا وحلفاء لها من جهة، وهبوط عملتها المحلية مقابل الدولار من جهة أخرى، إلا أن العديد من المؤسسات والشركات الصناعية الخاصة الكبرى استجابت لتهديدات المرض وأوقفت خطوط إنتاجها.


كورونا يخنق الشركات المتوسطة والصغيرة

اتبعت بعض المؤسسات آلية تخفيض ساعات العمل والورديات وتقليص العاملين، وخاصة من تجاوزت أعمارهم الأربعين عاماً مقابل منحهم أجور متّفق عليها لحين انتهاء الأزمة.

إلا أن غالبية الشركات المتوسطة والصغيرة التي توقّف نشاطها نتيجة اعتمادها اليومي سابقاً على حركة الشارع والمؤسسات وخدمة الزبائن، كالمطاعم والمقاهي والأندية المختلفة وشركات الألبسة والنقل والاستثمار ومكاتب المعاملات اليومية والسياحة وغيرها، راح أصحابها والعاملون فيها يعانون الأمرّين نتيجة توقف مردودها المادي، ما دفع ببعض منهم البحث عن مصدر آخر للرزق من خلال عرض خدماته على صفحات التواصل الاجتماعي بصرف النظر عن نوع العمل.

وبعد توقف عمل معرض المفروشات الذي يعمل فيه عدنان أبو محمود، اضطر صاحب العمل لصرف العمال إلى منازلهم منذ منتصف آذار/ مارس الماضي، ومن ثم صرف لهم أجورهم مع “مبلغ إضافي بسيط”.

ويبلغ عدد العمال الذي يعملون إلى جانب أبو محمود في نفس المكان 47 عاملاً بينهم 21 سورياً، وقال أبو محمود لـ”ماري” “صاحب المعمل إنسان صاحب ضمير وأخلاق، لكن سترهقه المصاريف في حال جمود العمل”.

يخشى أبو محمود الأيام القادمة، موضحاً أنه صرف معاشه الشهري والمبلغ الإضافي الذي حصل عليه من صاحب العمل، خلال الأسبوعين الماضيين من الحجر الصحي في منزله، مستدركاً “معاشي كان يغطي مصروفي لمدة شهر فيما مضى”، مشيراً إلى أن ذلك تكرر مع خمسة من زملائه في العمل بينهم شقيقه.

وقال أبو محمود “اضطررت أنا وهو [شقيقه]  لطلب النقود من أحد أقاربنا المقيمين في الكويت، ولا نعلم إلى متى ستطول هذه الحالة”.

وقال تحسين زرزور، صاحب مطعم للمأكولات السورية في منطقة بوليفار الشهيرة وسط حيّ زيتون بورنو بقلب مدينة إسطنبول، -أحد الأحياء المكتظة بالسوريين- أنه تعرّض للخسارة أكثر من غيره من المطاعم السورية الأخرى الواقعة ضمن أحياء مختلفة في المدينة بسبب “تصنيف الحي من بين الأحياء الأكثر تعرّضاً لحالات عدوى الكورونا في إسطنبول بحسب الإعلام التركي“.

وأضاف زرزور في حديثه لـ”ماري” “نتيجة اعتماد الكثيرين على آلية الطلبات الخارجية، طلبت من عامل الصالة وموظف قسم إعداد المشروبات الباردة والساخنة أن يعملوا في إيصال الطلبات إلى المنازل حتى لا أحرمهم من معاشهم أو أضطر لجلب عاملين آخرين وسط هذه الظروف”.

واستدرك زرزور “للأسف حتى الطلبات الخارجية أصبحت شبه متوقفة نتيجة تخوّف الناس من أي مادة تصلهم من خارج المنزل، اليوم أنا مضطر لإبقاء المطعم مفتوحاً بشكل يومي أملاً في انتهاء كارثة الكورونا في أية لحظة”.

قلة سيتقاضون 70% من رواتبهم

قال الناشط الاجتماعي السوري عبد القادر فليفل، مدير مؤسسة بيت العرب، أن “السوريين المتضررين من توقّف أعمالهم بإمكانهم التقدم بطلب إلى وكالة التشغيل التركية (İŞKUR) مرفق ببيانات عن مرتباتهم ودخلهم المتوقف نتيجة الأزمة، حيث يتم صرف ما نسبته 70% من مرتبهم الشهري الاعتيادي”.

وأضاف فليفل في حديثه لـ”ماري” “لكن للأسف، لا يتم قبول طلبات غير الحاصلين على إذن عمل نظامي من وزارة العمل، وهم النسبة العظمى من العمال المتضررين”، ما يعني أن “شبح البطالة سيخيم على عشرات الآلاف من العمال السوريين في تركيا”.

وأوضح فليفل أن “العائلات السورية، وخصوصاً التي تضمّ أيتاماً أو معاقين أو لا يوجد لديها معيل أو التي تضمّ ثلاثة أبناء وأكثر، غالبيتها مسجّلة ضمن برنامج (SUY) المدعوم من الاتحاد الأوروبي والذي يخصص مبلغاً مالياً محدداً لكل فرد من أفراد الأسرة، ويتم صرفه عبر بطاقات الهلال الأحمر البنكية في كل مطلع شهر”، وتبلغ حصة الفرد الواحد ما يساوي 25 دولاراً أمريكياً شهرياً.

مؤسسات سورية ترصد الفقر ولا تحاربه


نشر الموقع الرسمي للائتلاف السوري المعارض رابطاً يضمّ استمارة أطلق عليها “استمارة القدرة على مواجهة فيروس كورونا” بهدف “رصد قدرة السوريين على مواجهة فيروس كورونا وتنظيم جهود الإعانات المادية والعينية والصحية للعائلات السورية في تركيا”.

وحملت الاستمارة توقيع “اللجنة السورية التركية المشتركة”، وهي لجنة تم تشكيلها لمتابعة اللاجئين السوريين وأوضاعهم القانونية، في 24 تموز/يوليو 2019، في أعقاب حملة ترحيل المخالفين السوريين التي شهدتها ولاية إسطنبول.

وعلّق الناشط الاجتماعي فليفل على هذه الخطوة: “لا أظنّ أن الرابط سيقدّم معونة للسوريين في محنتهم، خاصة وأن الهدف منه كما هو مذكور في الموقع (رصد) قدرة السوريين و(تنظيم) جهود الإعانات المادية. ولم يذكر الائتلاف بأنه بصدد تقديم أو منح مساعدات على الإطلاق”.

وفي حادثة مشابهة، نشر “منبر الجمعيات السورية” في تركيا، وهو تجمع يضم عدد من الجمعيات والمنظمة السورية في تركيا، رابطاً آخر تحت مسمى “الحملة العربية لمكافحة كورونا“.

وأوضح المنبر بأن هدف الرابط تنظيم “قائمة مطلوبة لتقديمها إلى إدارة هجرة إسطنبول” بغرض حصر الأسر المحتاجة للمساعدات في ظل أزمة كورونا. 

وما تزال العائلات السورية المتضررة تترقب نتائج المبادرات السالفة، مع تخوّف واضح من تأخّر الحلول أو انعدامها.

للسوريين حصة

خلال مراحل اتساع رقعة الإصابات وازدياد عددها على الأراضي التركية، أظهر غالبية السوريين التزامهم بتوصيات وتوجيهات وزارة الصحة التركية بما يخص الحظر المنزلي الطوعي وتجنّب الازدحامات واستخدام المعقمات وتناول الكمامات الطبية في حال اضطرارهم للخروج.

وبالرغم من انتشار أخبار تتحدث عن إصابة عائلة سورية في إحدى الولايات التركية، إلا أن هذه الأخبار خلت من الصحة،كما وردت أنباء عن حالات مشتبه بها، إلا أنه لم يتمّ تأكيد إصابتها بالفيروس المستجد.

وفي مطلع نيسان/ أبريل الجاري، كتب الطبيب والكاتب السوري، الذي يحمل الجنسية التركية مصطفى حامد أوغلو، منشوراً على صفحته على موقع “فيسبوك” ذكر فيه أنه تعرّض لعدوى الفيروس نتيجة اختلاطه بمرضى كورونا الذين يشرف على متابعة حالاتهم في إحدى مستشفيات إسطنبول، ولاقى الخبر تعاطف آلاف السوريين والأتراك معه خلال أيام مرضه.

واستطاع حامد أوغلو مواجهة المرض والتصدي للفيروس، بحسب ما قال، إذ حرص طيلة فترة الحجر الصحي على إطلاع متابعيه على الفيسبوك بكل تطور يطرأ على حالته الصحية تباعاً. وفي 4 نيسان أعلن حامد أوغلو انتهاء فترة العلاج وتعافيه من المرض، مشيراً إلى أنه سيعود لعمله.

كما تطوّع العديد من الأطباء السوريين المقيمين في مدينة غازي عنتاب جنوب تركيا، لمشاركة الكادر الطبي المشرف على مداخل ومخارج المدينة لرصد الحالة الصحية للوافدين إليها ومتابعة حالات المرضى، منذ 24 آذار/ مارس الماضي. ونشرت وكالة الأناضول التركية صوراً للأطباء السوريين المتطوعين أثناء تكريمهم من قبل والي المدينة ورئيسة بلديتها.

إقحام السوريين في “حرب كورونا” السياسية!

وعلى عادتها في استغلال ملف اللاجئين السوريين، لم تفوّت المعارضة التركية فرصة أزمة كورونا دون إقحام السوريين في حربها السياسية، إذ طالب زعيم المعارضة التركية المتمثلة بحزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، كمال كليتشدار أوغلو، عبر برنامج تلفزيوني، الحكومة التركية بـ “عدم تجاهل السوريين وحماية حقوقهم في ظل جائحة كورونا” مشيراً بأن الفيروس “لا يميز بين مذهب المرء وهويته أو حزبه السياسي”.

وأضاف مخاطباً الحكومة “لقد تناولتم في حلولكم المقترحة 83 مليون مواطن تركي، ولكن يوجد هنا أكثر من 3 ملايين و600 ألف سوري، بينهم من أُصيب بالفيروس أيضاً” مشيراً إلى أنه “لا فرق اليوم بين عامل مسجل أو غير مسجل. للسوريين أيضاً حقوق يتوجب علينا حمايتها بشكل أو بآخر، لأن تركيا دولة كبيرة لا تمارس سياسة التمييز في مثل هذه الأمور”.

قوبلت تصريحات كليتشدار أوغلو، بـ”انتقادات واسعة” في الإعلام التركي، إذ اتهمته صحف محلية باستغلال جائحة كورونا كمادة سياسية في حربه ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.

وبالرغم من مضي نحو ثلاثة أسابيع على إعلان حالة الحجر المنزلي والرصد اليومي لأعداد المصابين الذين تجاوزوا اليوم 42 ألفاً وحالات الوفاة التي بلغت نحو 908 حالة، وفرض إجراءات حظر التجوّل التي طالت من هم فوق سن الستين وتحت سن العشرين في تركيا، تبقى أعداد السوريين المصابين في تركيا في عداد المجهول، وسط توقعات تشير بقلّة أعدادهم نسبياً نتيجة التزامهم بتعليمات وزارة الصحة وتقيّدهم بالحجر المنزلي والتعليمات الحكومية لمواجهة الفيروس.

وفي تصريح صحفي لرئيس بلدية هاتاي، لطفي سافاش، المحسوب على حزب الشعب الجمهوري التركي المعارضة، نفى إصابة أي سوري بالفيروس في ولايته التي تضم أكثر من 300 ألف سوري، معللاً ذلك بأن “السوريين منذ أن قتل 33 جندياً تركيًا في إدلب، بدؤوا يلتزمون منازلهم أكثر من أي وقت مضى” في إشارة إلى حادثة مقتل الجنود الأتراك بقصف جوي للقوات الحكومية السوري في أواخر شباط/ فبراير الماضي.

أحمد طلب الناصر

باحث وصحفي سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى